خرافة اسرائيل الكبرى

يمثل مفهوم “أرض إسرائيل الكاملة” (ארץ ישראל השלמה) مصطلحاً جيوسياسياً وإيديولوجياً جوهرياً في تاريخ الشعب اليهودي، والحركة الصهيونية، وفي المشهد السياسي لدولة إسرائيل الحديثة.1 هذا المفهوم، الذي يشكل الركيزة الأساسية لفهم خرافة اسرائيل الكبرى، يشير إلى أرض إسرائيل في حدودها التاريخية الموصوفة في المصادر التوراتية أو التاريخية، وينظر إلى هذه الحدود كحدود مرغوبة للدولة اليهودية.1

شهد هذا المصطلح تصاعداً ملحوظاً في الانتشار والاستخدام السياسي بعد حرب الأيام الستة في عام 1967، حيث ارتبط بالتحديد بالطموح إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الأراضي الواقعة خارج الخط الأخضر والتي انتقلت إلى السيطرة الإسرائيلية.1 هذا التحول الزمني يوضح أن التعبير السياسي المعاصر لـ خرافة اسرائيل الكبرى كان في الأساس استجابة لحدث عسكري ومكاسب ميدانية، بدلاً من كونه مجرد تطبيق لخطة وطنية كانت تنتظر التنفيذ.

يرتبط المدافعون عن هذه الأيديولوجيا القصوى حالياً بشكل رئيسي بالتيار اليميني في السياسة الإسرائيلية، وتُعد خرافة اسرائيل الكبرى مرتبطة بشكل وثيق بمشروع الاستيطان (מפעל ההתנחלות) الذي يهدف إلى ترسيخ الاستيطان اليهودي في مناطق مثل مرتفعات الجولان، وبقعة الأردن، ويهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وحبل غزة (تاريخياً).1 هذا الربط المباشر بين المفهوم والعمل الميداني يحوّل المطالبة اللاهوتية إلى حقيقة سياسية دائمة، مما يعزز من قوة خرافة اسرائيل الكبرى.

يُظهر تحليل نقدي لهذا المفهوم تناقضاً تاريخياً بنيوياً، إذ أن مفهوم “السيادة” (ריבונות) الذي يُطالب به أنصار خرافة اسرائيل الكبرى هو مفهوم حديث لم يكن مقبولاً أو مستخدماً في فترة التوراة.2 على الرغم من أن نصوصاً قديمة مثل رسائل تل العمارنة تصف “مناطق سيطرة” لملوك مختلفين، فإن أشكال السيطرة القديمة هذه لا تتطابق مع خصائص الدولة القومية ذات السيادة في العصر الحديث.2 بالتالي، إذا كانت المطالبة الجيوسياسية لـ خرافة اسرائيل الكبرى مبنية على أوصاف قديمة لـ”مناطق نفوذ” غير واضحة المعالم، فإن محاولة فرض سيادة حديثة على أساس حدود توراتية غير محددة بدقة تُعد تزييفاً للمنطق التاريخي والسياسي.

القسم الثاني: الجذور اللاهوتية لـ خرافة اسرائيل الكبرى: إشكالية الحدود المقدسة

2.1. الأرض كـ”جوهر الوجود”: لاهوت القومية في خرافة اسرائيل الكبرى

تعتبر الأسس اللاهوتية لـ خرافة اسرائيل الكبرى عنصراً حيوياً يرفع قيمة الأرض إلى ما هو أبعد من مجرد ملكية سياسية أو جغرافية، ليجعلها مكوناً وجودياً أساسياً للأمة، كما صاغها الحاخام أبراهام يتسحاق كوك (الراف קוק). يرى الراف كوك أن “أرض إسرائيل ليست شيئاً خارجياً، ملكية خارجية للأمة… بل هي وحدة ذاتية مرتبطة برباط حياة مع الأمة، محبوكة بخصائص داخلية مع وجودها”.3

يؤكد هذا المذهب على أن الأرض ليست مجرد وسيلة (אמצעי) لتحقيق البقاء المادي أو حتى الهدف الروحي للأمة، بل هي “حقيقة” (מציאותה) متأصلة بشكل لا ينفصل في كيان الشعب اليهودي.3 هذا التحديد الروحي يرفع خرافة اسرائيل الكبرى من مرتبة مطلب سياسي قابل للتفاوض إلى ضرورة وجودية وروحية مطلقة، مما يحصّنها فعلياً ضد أي جدل قائم على البراغماتية السياسية أو الأمنية.

عزز الراف كوك أيضاً فكرة الحصرية المطلقة، مشدداً على أن “مكان شعب إسرائيل هو في أرض إسرائيل فقط”، وأن التاريخ أثبت عدم قدرة الشعب على الاستمرار طويلاً في أي مكان آخر.3 ويرى أن من يريد الانفصال عن الشعب اليهودي وعن اليهودية “يمكنه النزول إلى برلين أو أي مكان آخر”.3 هذا المنظور يرسخ فكرة أن خرافة اسرائيل الكبرى هي الخيار الوجودي الوحيد، مما يفسر صلابة الموقف الديني المتطرف ضد أي شكل من أشكال التنازل الإقليمي.

عندما تُصبح الأرض جوهراً للوجود، فإن أي طرح للتنازل (حتى لو كان يهدف للسلام) يُفسر فوراً كتهديد وجودي من قِبَل أنصار خرافة اسرائيل الكبرى (وهو ما تمسك به لاحقاً الحاخام تسفي يهودا كوك 4). هذا التحويل الروحي للحدود يعني أن الانسحاب ليس خسارة أمنية عادية بل يُنظر إليه كـ”بتر روحي”، مما يمثل العامل الأعمق الذي يقود الصلابة غير القابلة للتفاوض لـ خرافة اسرائيل الكبرى.

2.2. واجب الغزو (כיבוש הארץ): الجدل الهالاخي حول خرافة اسرائيل الكبرى

يُعد التبرير الهالاخي للماكسيمالية الإقليمية، القائم على واجب الغزو، عموداً فقرياً يدعم خرافة اسرائيل الكبرى. أكد الحاخام موسى بن نحمان (الرامب”ن)، وهو من كبار المفسرين في العصور الوسطى، أن غزو الأرض والاستيطان فيها (כיבוש הארץ) يُعتبر “ميتسفاه” (מצווה) أو وصية إيجابية مستمرة.5 يوفر هذا التفسير الأساس الهالاخي الذي يبرر التوسع المستمر والمشاريع الاستيطانية في الأراضي المتنازع عليها تحت شعار خرافة اسرائيل الكبرى.

ومع ذلك، لا يحظى واجب الغزو بالإجماع داخل الشريعة اليهودية. يجب الإشارة إلى وجود آراء هالاخية معارضة، مثل رأي الحاخام يتسحاق دي ليون في كتابه مجيلات إستر، الذي يرى أنه لا يوجد واجب لغزو الأرض بعد أن تم نفي الشعب منها.5 هذا التباين الداخلي يوضح أن الأساس اللاهوتي لـ خرافة اسرائيل الكبرى هو تفسير يتم اختياره وتسييسه، وليس حكماً هالاخياً موحداً.

بعد حرب 1967، قام الحاخام تسفي يهودا كوك (ابن الراف קוק) بدور محوري في ربط الغزو بالخطاب السياسي، محولاً إياه إلى مشروع استيطاني. فبعد الحرب مباشرة، ضغط على الحكومة المترددة عبر التوقيع على عريضة أكدت أن “كل أرض إسرائيل عادت الآن بين أيدينا”، مشدداً على أن قضية حيازة “أرض حياتنا الموروثة” هي واجب جماعي (מצוה דרבים).4

أظهر موقف الحاخام كوك الابن الصرامة المطلقة ضد أي تنازل، معتبراً “تسليم أراضينا للأغيار” (מסירת קרקעותינו לידי גויים) “خطيئة وجريمة” (חטא ופשע) ناتجة عن “نقص الإيمان”.4 واستخدم كوك سلطته الروحية لفرض أجندة سياسية قصوى، معلناً أن أي قرار حكومي يتعارض مع “كمال توراة إسرائيل وقوة ثقة إسرائيل” (بسبب أخطاء السياسيين أو تردد الحاخامات) هو “باطل وملغى أصلاً وإلى الأبد” (בטל ומבוטל מעיקרא ולעולם).4 هذا الإعلان يضع إطاراً دينياً فوق القانون الإسرائيلي، وهو الأساس الفعلي للمقاومة الاستيطانية ضد أي سلطة دولة تحاول تفكيك خرافة اسرائيل الكبرى.

للإطلاع على ملخص العقيدة اليهودية

2.3. حدود الخرافة: التناقض الجغرافي لـ خرافة اسرائيل الكبرى

يُعد التفكيك الجغرافي لـ خرافة اسرائيل الكبرى أمراً ضرورياً، حيث أن الأدبيات التوراتية نفسها تعترف بأن قضية حدود “أرض إسرائيل” هي “إحدى القضايا الأصعب” في بحر الأدب التوراتي، وتشابكها مع آلاف الخيوط في التوراة الشفهية والمكتوبة.6 هذا الافتقار إلى تعريف جغرافي واحد وموحد يوفر مرونة أيديولوجية هائلة لأنصار خرافة اسرائيل الكبرى.

يحدد التقليد الحاخامي ثلاثة أنواع رئيسية من الحدود المتناقضة: حدود الوعد (גבולות ההבטחה)، حدود الخارجين من مصر (גבול עולי מצרים)، وحدود رؤية يـحزقيال (גבולי יחזקאל).6 وتوجد فوارق جغرافية كبيرة بين هذه الحدود؛ على سبيل المثال، حدود الوعد هي الأوسع، وتشمل شمال شرق سوريا، وجنوب شرق الأردن (أرض عمون وموآب وأدوم)، وشبه جزيرة سيناء، وهي أراضٍ لم يُؤمر الغزاة الأوائل بغزوها.6

هذه الحقيقة، وهي وجود حدود دينية متعددة ومتضاربة، تخدم مصالح الأيديولوجيا السياسية لـ خرافة اسرائيل الكبرى، حيث يمكن للتيار الماكسيمالي اختيار أوسع تعريف ديني (حدود الوعد) لتمويل الطموحات البعيدة، بينما يستخدم حدوداً أضيق (حدود الخارجين من مصر) لتبرير السيطرة على الضفة الغربية حالياً. ويؤكد هذا التباين على أن مفهوم “الكمال” في خرافة اسرائيل الكبرى هو في الحقيقة مفهوم مرن يخضع للتفسير السياسي حسب الحاجة.

يُظهر الجدول التالي التباين الجغرافي الذي يحيط بالتعريف اللاهوتي لـ خرافة اسرائيل الكبرى:

جدول التباين في حدود “الأرض الكاملة” (في سياق خرافة اسرائيل الكبرى)

 

مرجعية الحدود المصدر التوراتي/الهالاخي الخصائص الجغرافية المضمّنة دلالة في تحليل خرافة اسرائيل الكبرى
حدود الوعد (גבולות ההבטחה) سفر التكوين، العهد الإبراهيمي تشمل أراضٍ شاسعة (سيناء، الأردن، أجزاء من سوريا ولبنان).6 الحدود القصوى، التي لم تتحقق قط، تمثل الطموح المطلق والأسطوري لـ خرافة اسرائيل الكبرى.
حدود الخارجين من مصر (גבולות עולי מצרים) سفر العدد (نصوص موسوية) أضيق، وتستثني أجزاء واسعة كالأردن.6 الحدود التي استند إليها الغزو التاريخي، وهي أساس الجدل الهالاخي حول شرعية السيطرة الحالية.6
حدود رؤية يـحزقيال (גבולי יחזקאל) سفر يـحزقيال حدود جغرافية محددة تركز على التقسيم المستقبلي للأسباط.6 حدود روحية/مستقبلية، تزيد من تعقيد وتسييل تعريف الأرض الكاملة لـ خرافة اسرائيل الكبرى.

 

القسم الثالث: التحول من الأيديولوجيا إلى الممارسة السياسية لـ خرافة اسرائيل الكبرى

3.1. التأسيس الماكسيمالي: مطالبة مناحيم بيغن بـ خرافة اسرائيل الكبرى (1946)

لم تكن الأيديولوجيا الماكسيمالية مجرد رد فعل على أحداث عام 1967، بل كانت متجذرة بعمق في الحركة الصهيونية التصحيحية. ففي عام 1946، أكد مناحيم بيغن على ضرورة إقامة كيان قانوني—حكومة عبرية (ממשלה עברית)—تكون مخولة بموجب القانون الدولي “لتحديد عدم شرعية الحكم البريطاني” في فلسطين.7

الأهم من ذلك، أن بيغن ربط قيام هذه الحكومة بمسألة المطالبة بـ “ملكية أرض إسرائيل الكاملة” (הבעלות על ארץ-ישראל השלימה).7 هذا يثبت أن خرافة اسرائيل الكبرى كانت هدفاً سياسياً مركزياً للتيار التصحيحي قبل قيام الدولة، إذ ربط المطالبة بالملكية الكاملة للأرض بالضرورة القصوى لتأسيس سيادة حاكمة، مؤكداً على الطابع المطلق للهدف التوسعي.

لقد رأى بيغن أن الشعب اليهودي “يوجد، لكي يناضل” (אנו קיימים, כדי להילחם)، وأن النضال يجب أن يكون حاسماً لتحقيق النصر وتحرير الوطن والعودة إليه بسيادة كاملة.7 هذا الالتزام المطلق يوضح كيف تم تحويل الإيمان بـ خرافة اسرائيل الكبرى إلى برنامج سياسي وعسكري لا يقبل التجزئة.

3.2. حرب 1967 وتوطين خرافة اسرائيل الكبرى

وفّرت حرب 1967 الفرصة الجيوسياسية للتيارين الديني والسياسي اليميني لتحويل خرافة اسرائيل الكبرى من حلم إلى مشروع فعلي على الأرض، عبر احتلال الضفة الغربية ومرتفعات الجولان وبدء مشروع الاستيطان.1 لقد أصبح الاحتلال هو الرافعة التي سمحت بتطبيق الأيديولوجيا.

برز دور الحاخام تسفي يهودا كوك بعد الحرب كقوة دافعة للضغط على الحكومة المترددة. ففي أعقاب النصر، ومع تردد القيادة في التنازل عن أجزاء من الأراضي المحتلة، حشد كوك الدعم وأكد في عريضة أن “كل أرض إسرائيل عادت الآن بين أيدينا”.4 هذا التدخل لم يكن مجرد رأي ديني، بل كان تطبيقاً مباشراً لفرضية واجب الغزو الهالاخية لدعم خرافة اسرائيل الكبرى.

لقد وصل الطموح الأقصى للحاخام كوك إلى حد رفض التوقيع على مسودة العريضة الأصلية لأنها لم تشمل شرق الأردن (عبر הירדן) في المطالبة.4 هذا الموقف يظهر أن المدى الحقيقي لـ خرافة اسرائيل الكبرى يتجاوز حتى مكتسبات 1967، ويطمح إلى تحقيق الحدود القصوى الموصوفة في “حدود الوعد” التوراتية.6

لقد كان إعلان كوك بأن أي قرار سياسي بالتنازل عن الأراضي هو “باطل وملغى أصلاً وإلى الأبد” 4 ذا أهمية قصوى. فهذا يمنح المستوطنين الأيديولوجيين أساساً لاهوتياً لرفض سلطة الدولة نفسها إذا قررت التنازل، مما يفسر سبب عدم قدرة الحكومات الإسرائيلية على المضي قدماً في أي اتفاقيات سلام تتطلب إخلاء الأراضي الأساسية لـ خرافة اسرائيل الكبرى.

للإطلاع على تاريخ نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل 

3.3. التناقض الداخلي: خرافة اسرائيل الكبرى بين اليمين واليسار

على الرغم من أن خرافة اسرائيل الكبرى هي أيديولوجيا يمينية بامتياز، إلا أن بعض عناصرها تشكل نقاط تقاطع وطنية تتجاوز الانقسامات السياسية التقليدية. فمثلاً، إسحاق رابين، الذي قاد مسار السلام وكان مستعداً لتقديم تنازلات إقليمية واسعة، ظل متمسكاً بـ”القدس الكاملة والموحدة” (ירושלים השלמה והמאוחדת) باعتبارها عاصمة أبدية لسيادة إسرائيل.8

يشير تمسك رابين بالقدس إلى أن هناك حداً أدنى ثابتاً غير قابل للتفاوض، مستمداً من الأسطورة الدينية والتاريخ الوطني، حيث تتقاطع خرافة اسرائيل الكبرى مع الإجماع القومي الإسرائيلي. هذا التمسك بالقدس يوحي بأن الجاذبية الأيديولوجية للمفهوم ليست مقتصرة على حزب واحد.

إن النظرة العامة على المشهد السياسي—من مطالب بيغن القديمة بملكية الأرض الكاملة 7 إلى رفض كوك التنازل لاهوتياً 4 وتمسك رابين بالقدس 8—تؤكد أن خرافة اسرائيل الكبرى هي خيط متجذر في النسيج السياسي الإسرائيلي بأكمله. إن رفض الحاخام كوك إعطاء أي قيمة قانونية لقرارات التنازل 4 يمثل تحدياً هيكلياً لاستقرار الدولة، ويفسر لماذا تتسم المفاوضات الإسرائيلية على الأراضي بالجمود، إذ أن الأيديولوجيا توفر حصانة دينية للمعارضة السياسية لأي حل سلمي.

القسم الرابع: التكلفة البنيوية والاقتصادية لـ خرافة اسرائيل الكبرى

4.1. اقتصاد الدعم الأيديولوجي: التوزيع غير العادل في خرافة اسرائيل الكبرى

إن تحقيق خرافة اسرائيل الكبرى ليس مجرد طموح مجاني، بل هو مشروع باهظ الثمن يتم تمويله من خلال إعادة توجيه غير عادلة للموارد الحكومية، مما يؤدي إلى تفاوت اجتماعي داخلي صارخ، كما وثق ذلك مركز أدوة (מרכז אדוה) المتخصص في العدالة الاجتماعية.9 يكشف تحليل بيانات المشاركة الحكومية في ميزانيات السلطات المحلية لعام 2016 عن تباينات صارخة في الدعم المالي.

تشير البيانات إلى أن مجموعة “المستوطنات غير الحريدية” في الضفة الغربية حصلت على أعلى دعم حكومي للفرد (بمعدل 3,248 شيكل).9 هذا المبلغ تجاوز بوضوح التمويل الممنوح لـ”مدن التطوير” (عواصم الأطراف الإسرائيلية الفقيرة) داخل الخط الأخضر، والتي تلقت 2,220 شيكل للفرد.9 هذا التفضيل في التمويل يكشف عن أولوية سياسية واضحة لـ خرافة اسرائيل الكبرى على حساب العدالة الاجتماعية والاحتياجات التنموية للمدن الإسرائيلية الداخلية الأقل حظاً.

يوضح تحليل فئات المستوطنات أيضاً أن الأولوية في التمويل تذهب إلى التيار الأيديولوجي القومي الديني الذي يمثل قلب خرافة اسرائيل الكبرى. فالمستوطنات الحريدية في الضفة الغربية تلقت أقل تمويل للفرد (1,486 شيكل) 9، مما يؤكد أن الدعم السخي ليس مجرد مكافأة للموقع الجغرافي (الضفة الغربية)، بل هو استثمار سياسي محدد في الأيديولوجيا التوسعية الماكسيمالية.

إن تمويل خرافة اسرائيل الكبرى عبر هذا النظام غير المتساوي يفاقم من مشكلة عدم المساواة الاجتماعية الداخلية، حيث يتم تحويل الموارد الهائلة المخصصة لميزانيات التعليم والرفاهية المرتفعة للمستوطنات غير الحريدية 9 بعيداً عن الاحتياجات الأساسية للمواطنين الإسرائيليين الأفقر. بالتالي، فإن المواطن الإسرائيلي العادي يتحمل العبء المالي غير المباشر لهذا المشروع الأيديولوجي تحت غطاء خرافة اسرائيل الكبرى.

جدول تحليل التكلفة الاقتصادية (مركز أدوة) لـ خرافة اسرائيل الكبرى

 

فئة التجمعات السكانية المتوسط الحكومي للفرد (2016) (بالشيكل) المرجع دلالة في تفكيك خرافة اسرائيل الكبرى
المستوطنات غير الحريدية (يو”ش) 3,248 9 التمويل الأعلى، دليل على الاستثمار السياسي في تحقيق خرافة اسرائيل الكبرى على الأرض.
مدن التطوير (פריפריה) 2,220 9 تمويل أقل، مما يكشف عن أولوية الأيديولوجيا التوسعية على حساب التنمية الاجتماعية في الداخل.
المستوطنات الحريدية (يو”ש) 1,486 9 التمويل الأدنى، يؤكد أن الدعم يوجه تحديداً نحو التيار القومي الديني الذي يمثل قلب خرافة اسرائيل الكبرى.

 

4.2. التكاليف غير المباشرة لـ خرافة اسرائيل الكبرى (التحليل الاقتصادي)

 

لا تشمل الأرقام الرسمية الصادرة عن مركز أدوة غالباً “نفقات الأمن” (הוצאות ביטחון) 9، وهي تكاليف ضرورية وحيوية لحماية المشروع الاستيطاني الذي يشكل جوهر خرافة اسرائيل الكبرى. هذه النفقات، التي تتضمن صيانة الطرق المخصصة، وحماية المستوطنات، والوجود العسكري المستمر، تمثل عبئاً مالياً ضخماً وغير مرئي على الميزانية الوطنية الإسرائيلية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التمسك بـ خرافة اسرائيل الكبرى يؤدي إلى تكاليف اقتصادية غير مباشرة نتيجة للانعزال الدولي. يؤدي هذا التمسك إلى تعارض مباشر مع القانون الدولي، مما يترتب عليه قيود تجارية محتملة وتآكل في التعاون الاقتصادي الدولي. هذا الوضع يؤدي إلى عزل الاقتصاد الإسرائيلي على المدى الطويل، مما يفرض ثمناً اقتصادياً خارجياً مقابل الاستمرار في تحقيق المشروع الأيديولوجي لـ خرافة اسرائيل الكبرى.

إن خلاصة هذا التحليل تشير إلى أن التكلفة الهيكلية لـ خرافة اسرائيل الكبرى تفوق بكثير المبالغ المباشرة في الميزانية، وتشكل اختلالاً بنيوياً خطيراً يعيد توجيه الثروة الوطنية نحو هدف أيديولوجي على حساب التماسك الاجتماعي والاستقرار الاقتصادي المستقبلي.

القسم الخامس: النقد الأخلاقي والإنساني لـ خرافة اسرائيل الكبرى

5.1. الصوت المعارض: التكلفة البشرية في خطاب حنوخ ليفين

واجهت أيديولوجيا خرافة اسرائيل الكبرى نقداً أخلاقياً حاداً من داخل الثقافة الإسرائيلية نفسها، تم التعبير عنه بوضوح في أعمال الكاتب المسرحي حنوخ ليفين (חנוך לוין). تساءل ليفين بمرارة عن جدوى المشروع، قائلاً: “على ماذا ناضلنا؟ على ماذا أرقنا دمنا الغالي جداً؟”.10

يقارن ليفين بين المكسب المادي (الأرض الكبوشة) والخسارة البشرية غير القابلة للتعويض، مشدداً على أن الابن الذي يُفقد “لن يُعاد أبداً”.10 هذا التضاد القاسي يضع قيمة الحياة البشرية في مواجهة قيمة الأرض، ويقدم تحدياً أخلاقياً مباشراً لفكرة التوسع المستمر التي تقوم عليها خرافة اسرائيل الكبرى.

يمثل خطاب ليفين تياراً قوياً في الثقافة الإسرائيلية يرفض تضخيم الأيديولوجيا على حساب القيمة الإنسانية. فإشارته إلى أن الأرض تبدو وكأنها “تتقلص” ولا تستطيع استيعاب شعب كثير 10، توحي بأن التوسع المادي لا يجلب الشعور بالاتساع أو الأمن المأمول. هذا النقد يعمل على تفكيك الفرضية القائلة بأن خرافة اسرائيل الكبرى هي مشروع يحظى بإجماع وطني مطلق.

إن القيمة الأساسية لنقد ليفين تكمن في رفضه لدمج المأساة الفردية ضمن السرد الوطني الشامل. فالإشارة إلى أن ما تم اكتسابه لا يعوض عما فُقد، تؤكد أن خرافة اسرائيل الكبرى هي مشروع مبني على إنكار التكلفة الإنسانية الباهظة لصالح تحقيق هدف أيديولوجي، مما يضع التوسع موضع تساؤل أخلاقي عميق.

5.2. الانعزال الجيوسياسي: خرافة اسرائيل الكبرى في الساحة الدولية

يؤدي السعي المستمر وراء خرافة اسرائيل الكبرى إلى وضع إسرائيل في تعارض مباشر مع القانون الدولي والموقف العالمي. هذا التمسك بالتوسع يحول إسرائيل من دولة قومية عادية إلى قوة احتلال محاصرة دولياً، مما يهدد شرعيتها على المدى الطويل ويزيد من انعزالها الجيوسياسي.

التحدي الأخير الذي يفرضه التمسك بـ خرافة اسرائيل الكبرى هو التهديد الديموغرافي. إن ضم جميع الأراضي الكاملة يعني حتماً ضم ملايين الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية. هذا التوسع يقوض بشكل مباشر الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة الإسرائيلية، مما يخلق تناقضاً وجودياً لا يمكن لـ خرافة اسرائيل الكبرى حله. فإما الحفاظ على الطابع اليهودي والديمقراطي عبر التنازل عن الأرض، أو تحقيق الأرض الكاملة والتحول إلى نظام ثنائي القومية أو نظام فصل عنصري، وهو ما يمثل تحدياً هيكلياً لاستقرار الدولة.

القسم السادس: الاستنتاجات والتوصيات: ما بعد خرافة اسرائيل الكبرى

6.1. خلاصة تفكيك خرافة اسرائيل الكبرى

أكد التحليل أن خرافة اسرائيل الكبرى هي أيديولوجيا ماكسيمالية متصلبة، محمية لاهوتياً عبر تفسيرات متشددة للشريعة اليهودية، لا سيما تلك التي ترى في الغزو والاستيطان واجباً مستمراً (الرامب”ن والحاخام كوك).3 وقد أثبتت المصادر السياسية والدينية المتطرفة (بيغن وكوك الابن) أن هذا المشروع غير قابل للتنازل، حتى لو أدى إلى إبطال القرارات الحكومية.4

أظهر التحليل أن الجانب الاقتصادي لـ خرافة اسرائيل الكبرى هو مشروع تمويل أيديولوجي، يكشف عن توزيع غير عادل للموارد يفاقم التفاوت الاجتماعي الداخلي في إسرائيل، إذ يتم دعم المستوطنات غير الحريدية بشكل كبير على حساب مدن الأطراف الإسرائيلية.9 هذه التكلفة البنيوية تبرهن أن المشروع ليس حلماً مجانياً، بل عملية استنزاف اجتماعي واقتصادي.

بالنظر إلى الغموض الجغرافي للحدود الدينية المتعددة 6، والتكلفة الأخلاقية التي سلط عليها الضوء النقد الأدبي الإسرائيلي 10، والاستحالة الديموغرافية للسيطرة الكاملة دون تقويض الطابع اليهودي والديمقراطي للدولة، فإن

خرافة اسرائيل الكبرى تمثل تحدياً وجودياً مستمراً لاستقرار إسرائيل وشرعيتها الدولية والمحلية.

6.2. التوصيات الجيوسياسية في مواجهة خرافة اسرائيل الكبرى

بناءً على التفكيك المعمق لأسس وتكاليف خرافة اسرائيل الكبرى، يُقدم التقرير التوصيات الاستراتيجية التالية:

  1. فصل الأيديولوجيا عن التمويل الحكومي: يجب على الحكومة الإسرائيلية أن توقف فوراً التمويل التفضيلي للسلطات المحلية في الضفة الغربية الذي يعكس أولوية أيديولوجية على حساب الحاجة الاجتماعية. يجب أن تُرصد الميزانيات بناءً على معايير العدالة الاجتماعية والاحتياجات الفعلية للسكان، وليس لتعزيز مشروع خرافة اسرائيل الكبرى.9
  2. التخلي عن الحدود اللاهوتية الغامضة: يجب على القيادة السياسية تبني مقاربة براغماتية لتحديد حدود الدولة، تعتمد على الأمن القومي والواقع الديموغرافي، بدلاً من الحدود التوراتية المتناقضة وغير المحققة (كحدود الوعد) التي تُبنى عليها خرافة اسرائيل الكبرى.6
  3. إعادة توجيه الموارد نحو التنمية الداخلية: ينبغي تحويل الموارد الهائلة المخصصة لمشروع خرافة اسرائيل الكبرى (بما في ذلك التكاليف الأمنية والبنية التحتية) نحو تقوية وتنمية الأطراف الإسرائيلية ومدن التطوير، للحد من الفجوات الاجتماعية التي تفاقمت نتيجة لإعطاء الأولوية القصوى للتوسع الأيديولوجي.

المراجع:

  1. מה זה ארץ ישראל השלמה – מילון עברי עברי – מילוג, , https://milog.co.il/%D7%90%D7%A8%D7%A5_%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C_%D7%94%D7%A9%D7%9C%D7%9E%D7%94
  2. ארץ ישראל השלמה – המכלול, , https://www.hamichlol.org.il/%D7%90%D7%A8%D7%A5_%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C_%D7%94%D7%A9%D7%9C%D7%9E%D7%94
  3. ארץ ישראל – לדעת להאמין, , https://www.knowingfaith.co.il/%D7%98%D7%A2%D7%9E%D7%99-%D7%94%D7%9E%D7%A6%D7%95%D7%95%D7%AA/%D7%90%D7%A8%D7%A5-%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C
  4. המאבק על שלמות ארצנו – חלק א’ | מרן הרב צבי יהודה הכהן קוק זצ”ל | בית המדרש | אתר ישיבה, , https://www.yeshiva.org.il/midrash/3376
  5. קדושת ארץ ישראל – 17 מקורות, , https://www.daat.ac.il/daat/israel/kdushat1-2.htm
  6. גבולות הארץ במסורת ישראל / יהודה אליצור, , https://www.daat.ac.il/daat/tanach/tora/gvul-eli-1.htm
  7. Quotes Archive – עמוד 651 מתוך 689 – מאגר כתבי מנחם בגין – מרכז מורשת …, , https://db.begincenter.org.il/quote/page/651/
  8. ציטוטים רבין, , https://www.idf.il/media/3l2l1djs/%D7%A6%D7%99%D7%98%D7%95%D7%98%D7%99%D7%9D-%D7%A8%D7%91%D7%99%D7%9F.docx
  9. דו”ח מרכז אדוה: ההתנחלויות הלא חרדיות מקבלות הכי הרבה תקציבי ממשלה – ynet, , https://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5321573,00.html
  10. ארץ ישראל – ויקיציטוט, , https://he.wikiquote.org/wiki/%D7%90%D7%A8%D7%A5_%D7%99%D7%A9%D7%A8%D7%90%D7%9C

Related Posts

رواية الجريمة والعقاب لدوستوفيسكي

تُعد رواية الجريمة والعقاب لدوستوفيسكي حجر الزاوية في صرح الأدب العالمي، وعملاً تأسيسياً في مجالي الرواية النفسية والفلسفة الوجودية. نُشرت هذه التحفة الأدبية لأول مرة بشكل مُسلسل في المجلة الأدبية…

رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي

تُعتبر رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي العمل الختامي والمتوّج لمسيرة فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي الأدبية والفكرية، وهي ليست مجرد رواية، بل هي خلاصة حياته الفكرية والروحية التي استغرق في الإعداد لها عمرًا…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You Missed

رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي

  • 17 views
رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي

رواية الخيميائي لباولو كويلو

  • 13 views
رواية الخيميائي لباولو كويلو

ريفيو رواية عالم صوفي جوستاين غاردر

  • 19 views
ريفيو رواية عالم صوفي جوستاين غاردر

ما هي أفضل أنواع الروايات التي تستحق القراءة؟

  • 26 views
ما هي أفضل أنواع الروايات التي تستحق القراءة؟

تحليل رواية 1984 لجورج أورويل: استشراف الرعب الشمولي في عالمنا المعاصر

  • 304 views
تحليل رواية 1984 لجورج أورويل: استشراف الرعب الشمولي في عالمنا المعاصر
أهم الكتب في التاريخ