ملخص لفلسفة فالتر بنيامين

إن تقديم ملخص لفلسفة فالتر بنيامين يتطلب استعراضاً متأنياً لسيرة حياة استثنائية انتهت بشكل مأساوي، ولكنه أيضاً يتطلب فهم السياق الفكري الذي شكّل عالمه. وُلد بنيامين في برلين عام 1892، واشتهر كواحد من أهم النقاد الأدبيين والفلاسفة في النصف الأول من القرن العشرين.1 كانت حياته الأكاديمية محفوفة بالصعوبات، حيث واجه الرفض لمساعيه في الحصول على منصب أكاديمي. على سبيل المثال، تم وصف أطروحته للتأهيل للأستاذية، بعنوان

Ursprung des deutschen Trauerspiels (أصل الدراما الألمانية المأساوية)، بأنها “شديدة الغموض وعصية على الفهم” من قبل فاحصي جامعة فرانكفورت في عام 1925، مما أدى إلى سحبها لتجنب الرفض الرسمي والإذلال العلني.2 هذه التجربة شكلت جزءاً من مسيرته المهنية التي اتسمت بالعمل الحر والتوتر مع المؤسسة الأكاديمية.

كانت نهاية حياته تجسيداً لكارثة العصر الذي عاشه. ففي سبتمبر من عام 1940، وخلال محاولته الفرار من النازية، انتحر بنيامين بجرعة زائدة من المورفين عند الحدود الفرنسية-الإسبانية، بعد أن أُبلغ بأنه سيُسلَّم إلى الغستابو.1 هذه النهاية المأساوية لم تمنع أفكاره من العيش؛ فبعد وفاته، ازداد صيته بشكل كبير مع نشر أعماله في الخمسينيات، ووصولها إلى الجمهور العالمي بفضل جهود هانا أرندت في ترجمتها إلى الإنجليزية عام 1968.3 إن إرثه يكمن في إنتاجه الفكري الغزير الذي لم يكتسب شهرته الحقيقية إلا بعد موته.

للإطلاع على رمزية ملاك التاريخ في الفن والفلسفة عن فالتر بنيامين

كان فالتر بنيامين جزءاً من دائرة مفكري مدرسة فرانكفورت، رغم أنه لم يكن عضواً رسمياً فيها على الدوام، فقد ارتبط بعلاقة وثيقة مع شخصيات مثل تيودور أدورنو وماكس هوركهايمر.1 وصفت هانا أرندت بنيامين بأنه “أغرب ماركسي أنتجته مدرسة فرانكفورت على الإطلاق”، وهو وصف يجسد فرادته الفكرية.4 وعلى عكس بقية مفكري المدرسة الذين ركزوا على “البنية التحتية” الاقتصادية في الماركسية التقليدية، كان بنيامين مهتماً بـ”ظاهرة البنية الفوقية”، أي قضايا الثقافة، والفن، واللغة، والإيديولوجيا.4 وقد كانت علاقته بأدورنو معقدة، فبينما كان أدورنو يرى نفسه منفتحاً على تأثير بنيامين، كان بنيامين نفسه ينظر إلى أفكار بريخت كنوع من التحدي الفكري، مما أدى إلى بعض التوتر في العلاقة.5 هذا الحوار النقدي كان محركاً أساسياً لتطور فلسفتيهما، خصوصاً في مجال نظرية الجمالية ونقد الحداثة.6

إن أي ملخص لفلسفة فالتر بنيامين يجب أن يلاحظ أن منهجه ليس نظامياً أو متسقاً بشكل تقليدي.5 فكتاباته تشكل “تركيباً معقداً” و”مزيجاً انتقائياً ومتشظياً” من مفاهيم مستقاة من مصادر متباينة، تشمل التصوف اليهودي، والرومانسية الألمانية المبكرة، والسريالية، والماركسية غير الأرثوذكسية.5 هذا الأسلوب الفسيفسائي الذي يعتمد على “اللقطة النصية” والاقتباسات، والذي وصفه البعض بـ”أشباح النصوص” 4، لم يكن مجرد ضعف في التعبير، بل كان خياراً فلسفياً واعياً. فبنيامين يرفض المنطق الشمولي والخطّي الذي ساد الفلسفة التقليدية. كان يعتقد أن الحقيقة لا يمكن استيعابها في نظام فكري كامل، بل تبرق للحظة في “كوكبة” من النصوص والمفاهيم والأفكار التي تُجمّع بشكل مؤقت وفعال.4 هذا الأسلوب هو نفسه نقد جذري للفلسفة الأكاديمية التي عجز عن اختراقها، مما يجعل فهم “ملخص لفلسفة فالتر بنيامين” أمراً يتجاوز مجرد سرد الأفكار إلى إدراك أن الطريقة التي كتب بها هي جزء لا يتجزأ من فلسفته.

ثانياً: ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في التاريخ: بين التقدم والكارثة

إن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في التاريخ يرتكز على نقد جذري لأحد أبرز المفاهيم التي سادت الفكر الغربي: فكرة التقدم الخطي.8 رفض بنيامين فكرة أن التاريخ هو “سلسلة من الأحداث” تسير بشكل حتمي ومستمر نحو غاية معينة، مثل التقدم أو الخلاص. وقد اعتبر هذا المفهوم، الذي تبنته المدرسة التاريخانية وحتى بعض تيارات الماركسية، مجرد تبرير “لانتصار الغالب” وإهمالاً لمآسي المنهزمين.8 بالنسبة له، كل وثيقة من وثائق الحضارة هي أيضاً وثيقة من وثائق البربرية، مما يعني أن التاريخ الذي وصل إلينا هو في الحقيقة تاريخ المنتصرين.10 ومهمة المؤرخ المادي، في نظر بنيامين، هي أن “يمشّط التاريخ في الاتجاه المعاكس” 9، وأن يستعيد “تاريخ المنهزمين” 8، وأن يُضيء تلك اللحظات المقموعة التي لم تجد مكاناً في السردية الرسمية.

لتوضيح هذه الرؤية الكارثية للتاريخ، قدم بنيامين استعارة “الملاك الجديد” (Angelus Novus)، المستوحاة من لوحة لبول كلي.9 يصف بنيامين الملاك وهو ينظر إلى الماضي، لكنه لا يرى سلسلة من الأحداث، بل يرى “فاجعة واحدة تراكم حطاماً فوق حطام وتلقي بها عند قدميه”.10 يود الملاك أن يمكث لكي يوقظ الأموات ويلحم الشظايا، لكن “عاصفة تهب من الجنة” وتدفعه بلا توقف نحو المستقبل الذي يوليه ظهره. هذه العاصفة هي ما نطلق عليه نحن البشر “التقدم”.9 هذه الصورة تجسد جوهر ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في التاريخ، حيث أن ما نراه كتقدم مستمر ليس سوى تراكم مأساوي للخراب.

لم يترك بنيامين القارئ أمام هذه الصورة الكارثية دون أمل؛ فقد قدم بديلاً جذرياً للزمن الخطي في مفهومه عن Jetztzeit (الزمن الآن).10 إن Jetztzeit ليس مجرد لحظة عابرة في تتابع زمني، بل هو لحظة خلاصية يقتنص فيها الحاضر صورة من الماضي لكي يحررها من سياقها التاريخي ويمنحها معنى جديداً وثورياً.10 هذا المفهوم يربط الماضي بالحاضر عبر “ميثاق سري” 11، حيث يطالب الماضي المقموع بالخلاص من خلال فعل ثوري في الحاضر. يرى بنيامين أن “الدهشة بأن مثل هذه الأمور ‘لا تزال’ ممكنة في القرن العشرين ليست فلسفية” ما لم تؤدِ إلى إدراك أن “حالة الطوارئ” هي في الحقيقة “القاعدة” وليست الاستثناء.10 مهمة المؤرخ هي إدراك هذه الحقيقة وخلق حالة طوارئ حقيقية، أي إيقاف مسار التاريخ الكارثي بفعل واعٍ في “الزمن الآن”.

إن العلاقة بين المادية التاريخية والمشيحانية اليهودية هي جوهر “ملخص لفلسفة فالتر بنيامين” في هذا الصدد. فبنيامين يرى أن المادية التاريخية “يخدمها اللاهوت”، مما يمنحها قوة لا تُقهر في مواجهة أي خصم.11 هذه المزاوجة ليست مجرد تناقض سطحي، بل هي تكامل واعٍ. فبينما توفر الماركسية أدوات تحليل الصراع المادي من أجل “الأشياء الغليظة والمادية” 12، يوفر اللاهوت (الذي يمنع التنبؤ بالمستقبل، ولكنه يفتح باب “الخلاص” في كل لحظة) الرؤية للخلاص والتحرر، ويمنع فكره من الوقوع في فخ الحتمية التاريخية.11 هذا يسمح له بالانقلاب على فكرة الحتمية التي قد تبرر الجمود السياسي، ويقدم الثورة ليس كضرورة تاريخية محتومة، بل كواجب أخلاقي ومسؤولية حاسمة في “الزمن الآن”، والتي تستند إلى دعوة من أجيال المقموعين في الماضي.10

للإطلاع على ملخص لفلسفة كارل ياسبرس

ثالثاً: ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في نظرية الفن: عصر الاستنساخ التقني والهالة

يعد مقال “العمل الفني في عصر إعادة إنتاجه تقنياً” (1935) أحد أبرز أعمال فالتر بنيامين، ويقدم ملخصاً لفلسفة فالتر بنيامين حول الفن ودوره في العصر الحديث.13 يبدأ بنيامين بتحليل مفهوم “الهالة” (Aura)، وهي القيمة الفريدة للعمل الفني الأصلي.13 وتُعرّف الهالة بأنها وجود العمل “الفريد في زمانه ومكانه”، وهي متجذرة في التقليد الطقسي، مما يمنحه سلطة جمالية وثقافية وسحرية.4 تاريخياً، كان العمل الفني يُشاهَد ويُستمتع به في سياق خاص، مثل الطقوس الدينية أو المتعة الجمالية الخاصة بمالكه.13 الهالة هي ما يمنح العمل الفني شعوراً بالهيبة والأصالة التي لا يمكن أن يمتلكها أي استنساخ.

ومع ظهور وسائل الإنتاج الفني الحديثة، مثل التصوير والسينما، يرى بنيامين أن الهالة تتراجع بشكل حتمي.13 يؤكد بنيامين أن التقنية “تُفصّل الشيء المعاد إنتاجه عن نطاق التقاليد”، وتُستبدل “الوجود الفريد بوجود جماعي”.14 فبمجرد أن يُمكن إعادة إنتاج العمل الفني عدة مرات وتوزيعه على نطاق واسع، فإنه يفقد أصالته، وبالتالي يفقد هالته.13 يصبح العمل الفني سلعة متاحة في كل مكان، “سريعة الزوال، ومتوفرة، وبلا قيمة”.13 تنتقل قيمة الفن من كونه طقساً تأملياً إلى مجرد “قيمة عرض” يمكن أن يستمتع بها الجمهور في معرض عام.13

على الرغم من أن تراجع الهالة قد يبدو للوهلة الأولى خسارة، فإن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين يرى فيه تحرراً للفن. فبنيامين يرى أن التقنية “تحرّر العمل الفني من اعتماده الطفيلي على الطقس”.4 هذا التحرر يسمح للفن بأداء وظيفة جديدة: وظيفة سياسية ثورية في الثقافة الجماهيرية.13 في الوقت الذي كانت فيه الفاشية تسعى إلى “تسييس الفن” وتوظيفه لأغراضها الدعائية، كان بنيامين يدعو إلى “تفنّن السياسة”، أي استخدام الفن كوسيلة لوعي الجماهير وتعبئتها.14 وهذا يوضح أن نظرية بنيامين لم تكن مجرد نقد جمالي، بل كانت جزءاً لا يتجزأ من مشروعه السياسي لنقد الرأسمالية والفاشية. ففكرة الهالة نفسها هي نقد ضمني للجماليات البرجوازية التي حولت الفن إلى سلعة “فريدة” وقيمة تأملية خاصة، وبالتالي فصلته عن الجماهير.14 كان الصراع على معنى الفن بالنسبة لبنيامين هو صراع على السلطة في المجال العام، وتدمير الهالة كان شرطاً مسبقاً لتحويل الفن إلى أداة سياسية للجماهير في صراعها ضد الاستلاب.

رابعاً: ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في الحداثة: المتجول ومشروع الممرات

في سعيه لتقديم ملخص لفلسفة فالتر بنيامين عن الحداثة، تبرز شخصية “المتجول” (the flâneur) كرمز مركزي لتحليل الحياة الحضرية في القرن التاسع عشر.15 المتجول هو شخصية “على العتبة”، لا هو منتمٍ بالكامل للمدينة ولا هو مستقر في منزله.15 إنه باحث عن ملجأ في وسط الحشود، يعيش حالة من الاستلاب والحرية في الوقت نفسه، ويراقب المدينة وسلعها كشاهد من الخارج، كما لو كان غريباً عطوفاً يستشعر ماضي الآخرين.15 هذا المتجول ليس مجرد متسكع، بل هو ناقد صامت، يتأمل المدينة كمسرح للثقافة البورجوازية والوجود المنفصل عن الذات.

يتمحور تحليل بنيامين للحداثة في عمله غير المكتمل والأضخم، “مشروع الممرات” (The Arcades Project).3 هذا العمل، الذي استمر في جمع ملاحظاته له من عام 1927 حتى عام 1940 3، ليس كتاباً تقليدياً بل “كوكبة معقدة” من النصوص والاقتباسات.7 يهدف المشروع إلى أن يكون موسوعة للحداثة الباريسية، أو ما أسماه بنيامين “عاصمة القرن التاسع عشر”.3 كان الهدف من هذا العمل هو فهم نشأة الحداثة، وكيف أثرت الثقافة البورجوازية وتجربة السلعة على الوعي البشري.7 ويلاحظ أن كتاباته عن وسائل الإعلام الجماهيرية لم تشكل نظرية متماسكة ومنظمة حولها، ولكنها تُعتبر اليوم أعمالاً موحية ونقاط انطلاق أساسية لمنظري السينما والإعلام المعاصرين.5

للإطلاع على ملخص فلسفة الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو

إن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين حول الحداثة يكشف أن منهجه في هذا المشروع هو منهج “أركيولوجي” أو جيولوجي. فهو لا يسرد تاريخاً خطياً للحداثة، بل يحفر في طبقاتها للكشف عن ما يسميه “أحلام” القرن التاسع عشر، والتي كانت تتمثل في الممرات الزجاجية، والسلع اللامعة، والأزياء. هذه الأحلام هي التي أصبحت كوابيس في العصر الحديث. يتأمل بنيامين هذه “المومياءات” التاريخية في محاولة لإيقاظها من سباتها، لكي تضيء الحاضر وتكشف عن أصوله البورجوازية والسلعية. عمله يمثل بذلك حفريات فكرية في “حطام” الماضي، ويكشف أن فهم الحداثة يتطلب استعادة اللحظات المقموعة في تاريخها، بدلاً من مجرد سرد انتصاراتها المزعومة. إن فهمه المتشظي للحداثة هو نفسه نقدها.

خامساً: ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في اللغة والترجمة: نحو لغة خالصة

يعد موضوع اللغة من المواضيع الأساسية التي كانت حاضرة في فكر فالتر بنيامين.16 إن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في اللغة يبدأ بمقاله المبكر “حول اللغة بصفة عامة وحول اللغة الإنسانية” (1916)، الذي عكس فيه تبنيه لرؤية دينية يهودية للغة.16 يرى بنيامين أن اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي “وسيط” (medium) خالص تتواصل فيه كل لغة بنفسها، وتكون في أسمى معانيها “وسيط التواصل”.17 هذا المفهوم يتأثر بالتقليد اللاهوتي الذي يرى أن الله قد دعا آدم كي يسمي الخليقة، مما يجعل آدم أول “مترجم” لكلمة الله إلى البشرية.5

تكتمل رؤية بنيامين في مقالته المحورية “مهمة المترجم” (1921)، التي كتبها كمقدمة لترجمته لأعمال الشاعر الفرنسي بودلير.16 يميز بنيامين في هذا المقال بين الترجمة والإبداع الشعري، موضحاً أن المترجم لا يهدف إلى إعادة صياغة المعنى فحسب، بل يسعى إلى “نقل صدى اللغة الأصل في اللغة الهدف من دون أن ينفصل عن بنيتها الكلية”.19 يرى أن الترجمة الجيدة لا تهدف إلى أن تكون شفافة أو غير مرئية، بل تبرز الفروق الدقيقة بين اللغات، وتعمل على تقاطعها في ما يسميه بنيامين “اللغة الحقة” أو “اللغة الخالصة” (pure language).19 هذه اللغة الخالصة هي التي يتطلع إليها الفلاسفة بوصفها مخزناً للمعاني النهائية.

إن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين في الترجمة يكشف أنها ليست مجرد نظرية لغوية، بل هي مشروع فلسفي أعمق. يعتبر بنيامين أن الترجمة هي عمل “لاحق” (afterlife) للنص الأصلي 7، وهي التي تضمن للنص بقاءه وخلوده. هذا المفهوم للترجمة كعملية “إعادة إحياء” يربط بشكل وثيق بينها وبين منهجه في النقد وفي فلسفة التاريخ. فبنيامين يرى أن عمل المترجم يشبه عمل المؤرخ والناقد. فكل منهم يعمل على نص أو حدث من الماضي (الأصل)، ويعترف بالفجوة التي تفصله عنه، ولكنه يسعى لإعادة إحيائه في سياق جديد. فكما أن الناقد يسعى إلى “تملّك النصوص وتفعيلها بصورة مختلفة” 2، وكما أن المؤرخ يقتنص صورة من الماضي لتتوهج في الحاضر 10، فإن المترجم يعمل على “تحرير” اللغة الأصلية من سجنها الخاص، وكشف إمكاناتها الكامنة من خلال اللغة الهدف. هذه العمليات الثلاث تشترك في نفس المنطق البنياميني: لا تسعى لاستنساخ “الأصل كما كان”، بل لإعادة إحيائه في سياق جديد، معترفاً بفقدان الأصل وناقلاً لإمكاناته.

سادساً: التوفيق بين الماركسية واللاهوت: بنيامين كمنظّر نقدي

إن النقطة المحورية التي تميز ملخص لفلسفة فالتر بنيامين هي التوفيق الفريد بين المادية التاريخية والمشيحانية اليهودية. فبنيامين لم يكن مجرد فيلسوف ماركسي تقليدي، بل كان “أغرب ماركسي” 4، حيث استخدم الماركسية كأداة لتحليل الواقع الاجتماعي والاقتصادي، معززاً إياها برؤى من الفلسفة الرومانسية، والتصوف اليهودي.7 فقد قدمت له الماركسية الأدوات لتحليل علاقات الإنتاج، وفهم الصراع الطبقي على أنه قتال من أجل “الأشياء الغليظة والمادية”.12 في المقابل، قدم له اللاهوت، ببعده المسكوني والمسيحاني، الرؤية للخلاص والتحرر، ومنع فكره من الوقوع في فخ الحتمية التاريخية.11 فبنيامين يرفض فكرة أن الثورة هي نتيجة حتمية لتطور القوى الاقتصادية، بل يراها كفرصة يجب انتهازها في “الزمن الآن”.10 وهذا ما يمنح نظريته قوتها الروحية والأخلاقية. إن “تاريخ المنهزمين” 8 هو نتاج لهذه الجدلية: فهو صراع مادي من أجل العدالة الاجتماعية، لكنه في الوقت نفسه محاولة لإنقاذ الجانب الروحي والقيمي من براثن المنتصرين.

كانت علاقة بنيامين مع تيودور أدورنو تجسيداً لهذه الجدلية. فبينما كان أدورنو يمثل الجانب الأكثر أرثوذكسية في مدرسة فرانكفورت، كان بنيامين ينفرد برؤيته.4 كان أدورنو يخشى أن يؤدي احتفاء بنيامين بالثقافة الجماهيرية إلى إغفال خطر “صناعة الثقافة” التي تروض الوعي بدلاً من تحريره.6 ولكن هذا الخلاف كان مثمراً، فقد دفع كلاً منهما لتطوير أفكاره حول العلاقة بين الفن والسياسة.6 هذا الحوار الفكري أثر بعمق على مسار النظرية النقدية، حيث أن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين يمثل تحولاً جوهرياً في مسارها. فبتركيزه على “ظاهرة البنية الفوقية” 4، وسّع بنيامين نطاق النظرية النقدية لتشمل قضايا الفن والثقافة والحداثة بطرق لم يقم بها أحد قبله في المدرسة.4 لقد أصبح فكره حجر الزاوية في الدراسات الثقافية المعاصرة، وأثبت أن النقد الحقيقي يكمن في تجاوز الحدود الأكاديمية الصارمة.2

سابعاً: خاتمة: إرث فالتر بنيامين وتأثيره المستمر

إن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين يظهر أنها لا يمكن اختزالها في فكرة واحدة، بل هي عبارة عن كوكبة من الأفكار التي تتشابك لتشكل مشروعاً فكرياً فريداً من نوعه. لقد كان بنيامين ناقداً للفكر الشمولي والنظم الفلسفية المغلقة، وبدلاً من ذلك، قدم نهجاً متشظياً يعترف بالدمار الذي خلفته الحداثة ولكنه يبحث عن بذور الخلاص في الحطام.7 لقد نجح في التوفيق بين ما بدا متناقضاً – المادية واللاهوت، التاريخانية والسياسة، النقد الأدبي والنقد الاجتماعي – لخلق أداة فكرية جديدة لمواجهة تحديات عصره.

إن إرث فالتر بنيامين لا يزال حياً ومؤثراً، فهو لم يقتصر على الفلسفة، بل امتد إلى الأدب، والدراسات الثقافية، وتاريخ الفن، ونظرية الإعلام.4 فكانت أفكاره حول “الهالة” و”الاستنساخ التقني” نبوءة لعصرنا الرقمي، حيث يتم استنساخ وتداول المحتوى بشكل لا نهائي، مما يجعل مفهوم “الأصالة” أمراً يتطلب إعادة التفكير المستمر. كما أن تحليله للحياة الحضرية عبر “المتجول” و”مشروع الممرات” ما زال يقدم أدوات أساسية لفهم تعقيدات المدن الحديثة والعلاقة بين الفرد والمجتمع. في النهاية، يمكن القول إن ملخص لفلسفة فالتر بنيامين هو دعوة للتفكير النقدي في حطام الماضي، وللبحث عن إمكانات الخلاص في اللحظة الراهنة، وللعمل بوعي وثوري من أجل “تاريخ المنهزمين”.

عنوان العملتاريخ النشرالمفهوم المركزيالمجال الفكريالمرجع الداخلي في التقرير
Ursprung des deutschen Trauerspiels1928نظرية الدراما المأساوية، الجمالية السياسيةالنقد الأدبي والجماليالقسم الأول
Einbahnstraße (شارع ذو اتجاه واحد)1928النقد المتشظي، المراقبة الحضريةالأدب ونقد الحداثةالقسم الرابع
Das Kunstwerk im Zeitalter seiner technischen Reproduzierbarkeit1935الهالة، الاستنساخ التقني، تسييس الفننظرية الفن والثقافةالقسم الثالث
Über den Begriff der Geschichte1940ملاك التاريخ، Jetztzeit، نقد التقدمفلسفة التاريخالقسم الثاني
Die Aufgabe des Übersetzers1921اللغة الخالصة، صدى اللغةنظرية الترجمة وفلسفة اللغةالقسم الخامس
Passagenwerk (مشروع الممرات)نُشر بعد وفاتهالمتجول، الحداثة الباريسية، السلعةنقد الحداثة والتاريخ الاجتماعيالقسم الرابع

Works cited

  1. Walter Benjamin | Marxist philosophy, cultural criticism, aesthetics – Britannica, , https://www.britannica.com/biography/Walter-Benjamin
  2. فالتر بنيامين مفكرًا معاصرًا وناقدً ا تأويليًا مراجعة كتاب فالتر بنيا, , https://tabayyun.dohainstitute.org/ar/issue032/Pages/Tabayun31-2020-Khadraoui.pdf
  3. Walter Benjamin – Wikipedia, , https://en.wikipedia.org/wiki/Walter_Benjamin
  4. تاريخ موجز للنظرية النقدية – Boring Books, , https://boringbooks.net/2023/07/history-of-critical-theory.html
  5. فالتر بنيامين الممسوس بالنقد… أو حين يكون النقد قوة تدميرية – مجلة رمان الثقافية, , https://rommanmag.com/archives/19895
  6. بنيامين وأدورنو وتجربة الأدب | شباب التفاهم, , https://st.mara.gov.om/post/351/%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%88%D8%A3%D8%AF%D9%88%D8%B1%D9%86%D9%88-%D9%88%D8%AA%D8%AC%D8%B1%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8
  7. فالتر بنيامين: تراكيب نقدية – المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, , https://www.dohainstitute.org/ar/BooksAndJournals/Pages/Walter-Benjamin.aspx
  8. فالتر بنيامين ونقد فكرة التقدم – ASJP – CERIST, , https://asjp.cerist.dz/en/article/209885
  9. فالتر بنيامين ومسألة التراث والتاريخ: «تمشيط التاريخ في الاتجاه المعاكس» | مدى مصر, , https://www.madamasr.com/2017/06/20/opinion/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9/%D9%81%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1-%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%A3%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%AB-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/
  10. والتر بنيامين : في مفهوم التاريخ (التأملات الكاملة) – أطراس, , https://attras.org/%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1-%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%81%D9%87%D9%88%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A3%D9%85%D9%84/
  11. Frankfurt School: On the Concept of History by Walter Benjamin, , https://www.marxists.org/reference/archive/benjamin/1940/history.htm
  12. فالتر بنيامين: فلسفة التأريخ في ظل مدرسة فرانكفورت! – YouTube, , https://www.youtube.com/watch?v=wEoAIVtoG-Y
  13. العمل الفني في عصر إعادة إنتاجه تقنيا – ويكيبيديا, , https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%86%D9%8A_%D9%81%D9%8A_%D8%B9%D8%B5%D8%B1_%D8%A5%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D8%A9_%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%AC%D9%87_%D8%AA%D9%82%D9%86%D9%8A%D8%A7
  14. خمس أفكار من كتاب الفيلسوف الألماني والتر بنجامين – تدوين – صحيفة الحدث, , https://tadween.alhadath.ps/article/165757/%D8%AE%D9%85%D8%B3-%D8%A3%D9%81%D9%83%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%8A%D9%84%D8%B3%D9%88%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1-%D8%A8%D9%86%D8%AC%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%86
  15. هل يكلفنا العصر الرقمي مقدرتنا على التجول؟ – منشور, , https://manshoor.com/arts-and-culture/digital-age-and-wandering/
  16. ميتافزيقا اللغة عند فالتر بنيامين | ASJP, , https://asjp.cerist.dz/en/article/35747
  17. Walter Benjamin’s Philosophy of Language – Queen’s University Belfast, , https://pure.qub.ac.uk/files/437649173/Walter_Benjamins_Philosophy_of_Language.pdf
  18. فالتير بنيامين وتجربة الترجمة – ASJP – CERIST, , https://asjp.cerist.dz/en/article/35746
  19. “مهمّةُ المترجم”: ترجمة ثلاثية لنصّ فلسفيّ دقيق, , https://diffah.alaraby.co.uk/diffah/books/2025/5/26/%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85-%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D8%AB%D9%84%D8%A7%D8%AB%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%86%D8%B5-%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%8A-%D8%AF%D9%82%D9%8A%D9%82
  • Related Posts

    رواية الجريمة والعقاب لدوستوفيسكي

    تُعد رواية الجريمة والعقاب لدوستوفيسكي حجر الزاوية في صرح الأدب العالمي، وعملاً تأسيسياً في مجالي الرواية النفسية والفلسفة الوجودية. نُشرت هذه التحفة الأدبية لأول مرة بشكل مُسلسل في المجلة الأدبية…

    رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي

    تُعتبر رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي العمل الختامي والمتوّج لمسيرة فيودور ميخائيلوفيتش دوستويفسكي الأدبية والفكرية، وهي ليست مجرد رواية، بل هي خلاصة حياته الفكرية والروحية التي استغرق في الإعداد لها عمرًا…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي

    • 17 views
    رواية الإخوة كارمازوف لدوستويفسكي

    رواية الخيميائي لباولو كويلو

    • 13 views
    رواية الخيميائي لباولو كويلو

    ريفيو رواية عالم صوفي جوستاين غاردر

    • 19 views
    ريفيو رواية عالم صوفي جوستاين غاردر

    ما هي أفضل أنواع الروايات التي تستحق القراءة؟

    • 26 views
    ما هي أفضل أنواع الروايات التي تستحق القراءة؟

    تحليل رواية 1984 لجورج أورويل: استشراف الرعب الشمولي في عالمنا المعاصر

    • 304 views
    تحليل رواية 1984 لجورج أورويل: استشراف الرعب الشمولي في عالمنا المعاصر
    أهم الكتب في التاريخ