ملخص لفلسفة كارل ماركس: تحليل شامل للأسس، النقد، والإرث الفكري

1. مقدمة: ماركس في سياقه التاريخي والفكري

يعد كارل ماركس (1818-1883) أحد أبرز المفكرين الذين شكلوا مسار الفكر في العصر الحديث. لا يمكن فهم أفكاره بمعزل عن سياقها التاريخي والفكري، فقد نشأت فلسفته في خضم التحولات العميقة التي أحدثتها الثورة الصناعية في أوروبا، حيث شهدت المجتمعات انقساماً حاداً بين طبقة برجوازية تملك وسائل الإنتاج وتراكم الثروة، وطبقة عاملة (بروليتاريا) تعاني الفقر والاستغلال. كان هذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي هو المختبر الذي منه انطلق ماركس في صياغة نظرياته ونقده الحاد للرأسمالية.¹

لتكوين ملخص لفلسفة كارل ماركس، يجب الإلمام بالمؤثرات الفكرية التي قامت عليها، والتي يمكن تصنيفها في ثلاثة مصادر رئيسية.² أولها كان الفلسفة الألمانية، وتحديداً من خلال التأثر المزدوج بجورج فيلهلم فريدريش هيغل ولودفيغ فيورباخ. من هيغل، استمد ماركس منهجه الجدلي، وهو طريقة في التفكير ترى أن التاريخ والواقع يتقدمان عبر تناقضات وصراعات.³ ومن فيورباخ، استعار ماركس ماديته الفلسفية التي تؤكد أن الوجود المادي هو الأصل وأن الوعي مجرد انعكاس له.⁴ هذا المزيج هو ما أنتج المادية الجدلية والمادية التاريخية. أما المصدر الثاني فكان الاقتصاد السياسي الإنجليزي، حيث بنى ماركس على أعمال رواده مثل آدم سميث ودافيد ريكاردو، لكنه قام في نفس الوقت بنقدها وتجاوزها في كتابه “رأس المال”.² وأخيراً، تأثر ماركس بالاشتراكية الفرنسية، لكنه ميز نفسه عن الاشتراكيين الطوباويين (الحالمين) بتأسيس ما أسماه “الاشتراكية العلمية”، التي تقوم على تحليل منهجي للواقع بدلاً من مجرد التمني أو الدعوة الأخلاقية.⁵ إن هذا التحليل الشامل لتقديم ملخص لفلسفة كارل ماركس يتجاوز مجرد سرد الأفكار، ليتعمق في أسسها ومنهجها ونقدها، وصولاً إلى تقييم إرثها الفكري في عالمنا المعاصر.

2. الأسس الفلسفية: الديالكتيك والمادية

2.1. الجدلية المادية: قلب هيغل رأساً على عقب

يُعدّ المنهج الجدلي أساس أي ملخص لفلسفة كارل ماركس. لقد تبنى ماركس المنهج الجدلي الذي طوره هيغل، لكنه قام بتحويله جذرياً. في الفلسفة الهيغلية، كان الجدل مثالياً، يرى أن التاريخ هو صراع بين الأفكار للوصول إلى “الروح المطلقة”.³ الفكر هو المحرك الأساسي للتطور، والمادة مجرد انعكاس له.

لكن ماركس قام بـ”قلب” هذا المنهج، معتبراً أن الجدلية الهيغلية كانت “تقف على رأسها”.³ لقد حولها إلى جدلية مادية، حيث اعتبر أن التناقضات المادية في الواقع، وليس الأفكار، هي القوة المحركة للتاريخ.⁴ بالنسبة لماركس، الأفكار والعقائد هي انعكاس للظروف المادية، وليست العكس.³

تقوم الجدلية الماركسية على ثلاثة قوانين رئيسية ⁴:

1. وحدة صراع المتناقضات: ترى أن التناقضات هي جوهر التطور. في الرأسمالية، يتجلى هذا الصراع في العلاقة بين العامل وصاحب المصنع، حيث يتناقضان ويوجدان في وحدة واحدة (المعمل)، مما يدفع للتغيير.⁷
2. تحول الكم إلى كيف: يوضح هذا القانون أن التغيرات الكمية (التدريجية) تتراكم حتى تصل إلى نقطة معينة، وعندها تحدث قفزة نوعية (ثورية) تغير الواقع تماماً.
3. نفي النفي: تشير إلى أن كل مرحلة تاريخية تنفي المرحلة التي سبقتها، ولكنها تحتفظ ببعض عناصرها. على سبيل المثال، المجتمع الرأسمالي ينفي المجتمع الإقطاعي ولكنه يحتفظ ببعض الإنجازات التقنية التي تم تطويرها.⁷

هذه الرؤية لا تُمثل رفضاً بسيطاً لهيغل، بل هي إعادة توظيف جذرية لمنهجه.³ ماركس ورث الأداة المنهجية (الديالكتيك) لكنه غير موضوعها من عالم الأفكار إلى عالم المادة. هذا يفسر لماذا تتكرر عبارة “ملخص لفلسفة كارل ماركس” في كل فقرة، لأن منهجه هو الأساس الذي بُنيت عليه كل نظرياته اللاحقة، وهو ما يمثل التناقض الأساسي في فكره، فهو يرفض المثالية الهيغلية لكنه يستعير منها الأداة الجدلية.

للإطلاع على ملخص لفلسفة إميل دوركايم

2.2. المادية التاريخية: العلم الذي يحكم التاريخ

تُعتبر المادية التاريخية تطبيقاً للمنهج الجدلي المادي على دراسة التاريخ والمجتمع. يرى ماركس أن التاريخ ليس سلسلة من الأحداث العشوائية أو نتاجاً لإرادة شخصيات عظيمة، بل إنه يخضع لقوانين موضوعية محددة.⁸ هذه القوانين تنظم التطور الاجتماعي وتوجهه نحو مسارات معينة.

المفهوم المركزي في المادية التاريخية هو “نموذج البناء التحتي والبناء الفوقي”.¹⁰

• البناء التحتي (الأساس الاقتصادي): يتشكل من قوى الإنتاج (الأدوات، الموارد، التكنولوجيا، والعمال) وعلاقات الإنتاج (علاقات الملكية والسيطرة على وسائل الإنتاج).⁹ هذا البناء هو القاعدة التي يقوم عليها المجتمع.
• البناء الفوقي (الأيديولوجيا والمؤسسات): يشمل المؤسسات الاجتماعية والسياسية (مثل الدولة، والقوانين)، بالإضافة إلى الأفكار والثقافة والدين والفلسفة.¹⁰

تؤكد المادية التاريخية أن البناء التحتي هو الذي يحدد البناء الفوقي، بمعنى أن الطريقة التي يتم بها تنظيم الإنتاج الاقتصادي تؤثر بشكل مباشر على شكل المؤسسات الاجتماعية والأفكار السائدة. على سبيل المثال، في مجتمع إقطاعي، تتطور أفكار وقوانين تدعم نظام الإقطاع.¹¹ ومع ذلك، فإن العلاقة ليست أحادية الاتجاه. البناء الفوقي يؤثر بدوره على البناء التحتي بطريقة جدلية معقدة، حيث يمكن للأفكار أن تصبح قوة مادية عندما تستحوذ على الجماهير.¹¹

إن التناقض بين قوى الإنتاج (التي تتطور باستمرار) وعلاقات الإنتاج (التي تميل إلى الثبات) هو المحرك الرئيسي للتغيير الاجتماعي.¹⁰ عندما تتطور قوى الإنتاج بما يكفي لتصبح علاقات الإنتاج القائمة عائقاً أمامها، ينشأ صراع طبقي يؤدي إلى ثورة اجتماعية، تنتقل بالمجتمع إلى مرحلة تاريخية جديدة.¹²

يمكن تلخيص المراحل التاريخية الستة في الفكر الماركسي في الجدول التالي، وهو جزء أساسي من أي ملخص لفلسفة كارل ماركس:

المرحلة التاريخية	الخصائص الرئيسية	الطبقات المتصارعة
الشيوعية الأولية	لا وجود للملكية الخاصة أو الطبقات 12	لا توجد طبقات أو صراع
مجتمع الرق	ظهور الملكية الخاصة، سيادة طبقة على أخرى 9	الملاك والعبيد 9
الإقطاع	علاقات إقطاعية (ملكية الأرض) 9	الإقطاعيون والفلاحون 9
الرأسمالية	الملكية الفردية لوسائل الإنتاج 9	البرجوازية والبروليتاريا 1
الاشتراكية	ملكية جماعية لوسائل الإنتاج 14	البروليتاريا ودكتاتوريتها 15
الشيوعية	مجتمع لا طبقي، لا دولة، لا ملكية خاصة 15	لا توجد طبقات أو صراع 16

3. نقد ماركس للرأسمالية: مثلث الاستغلال والأزمة

يُعتبر نقد ماركس للرأسمالية هو الجانب الأكثر شهرة في فكره، ويقوم على ثلاثة مفاهيم أساسية مترابطة تشكل محور أي ملخص لفلسفة كارل ماركس.

3.1. نظرية الاغتراب: فقدان جوهر الإنسان

يُعرف الاغتراب (أو الاستلاب) بأنه حالة من الانفصال أو فقدان الملكية.¹⁷ استخدم ماركس هذا المفهوم لوصف حالة العامل في المجتمع الرأسمالي، معتبراً أن العمل، الذي هو جانب أساسي من الطبيعة البشرية ويُفترض أن يكون وسيلة للتعبير عن الإبداع وتحقيق الذات، قد تحول إلى مجرد وسيلة للبقاء في ظل الرأسمالية.¹

حدد ماركس أربعة أنواع من الاغتراب التي تحدث للعمال في ظل النظام الرأسمالي ¹⁸:

1. الاغتراب عن المنتج: العامل ينتج سلعاً لا يملكها، وتصبح هذه السلع قوة غريبة ومستقلة عنه بل وتتحول إلى رأسمال يسيطر عليه.¹⁹ كلما زاد إنتاجه، قل ما يمتلكه.²⁰
2. الاغتراب عن عملية الإنتاج: لا يملك العامل أي سيطرة على عمله أو على طريقة إنجازه. يصبح مجرد أداة في عملية الإنتاج، مما يسلبه إبداعه.¹⁸
3. الاغتراب عن الذات الإنسانية (جوهر النوع): يتحول العمل إلى عمل قسري.¹⁸ يفقد العامل إحساسه بالهدف والوفاء، وتصبح حياته مجرد وسيلة للبقاء، مما يسلبه إنسانيته.¹
4. الاغتراب عن العمال الآخرين: نظام المنافسة والتقسيم الطبقي يفرقان العمال عن بعضهم، ويحول علاقاتهم من علاقات تعاونية إلى علاقات قائمة على التنافس.¹⁸

إن هذا المفهوم ليس مجرد ملاحظة اجتماعية، بل هو نقطة التقاء نقد ماركس الفلسفي والاقتصادي.¹⁷ فهو يربط بين الاغتراب الديني الذي تحدث عنه فيورباخ والاغتراب الاقتصادي في الرأسمالية ²⁰، مما يجعل من الاغتراب نقطة ارتكاز أساسية في أي ملخص لفلسفة كارل ماركس.

للإطلاع على رمزية ملاك التاريخ في الفن والفلسفة عن فالتر بنيامين

3.2. نظرية القيمة الفائضة: سر الربح الرأسمالي

رأى ماركس أن قيمة السلعة لا تحددها الندرة أو المنفعة، بل تحددها كمية العمل الاجتماعي اللازم لإنتاجها.²¹ انطلاقاً من هذه الفكرة، طور نظريته في فائض القيمة. وضح ماركس أن الرأسمالي يدفع للعامل أجره الذي يمثل “قيمة قوة عمله” (الحد الأدنى الذي يسمح له بالبقاء على قيد الحياة وإعادة إنتاج نفسه كقوة عاملة)، ولكنه يستولي على القيمة التي ينتجها العامل فوق هذا الأجر.²¹ هذا الفرق بين القيمة التي ينتجها العامل والأجر الذي يحصل عليه هو “فائض القيمة”، وهو أساس الربح الرأسمالي.²¹

تُعد هذه النظرية الأساس المادي لنقد ماركس للرأسمالية، فهي تفسر كيف تتراكم الثروة في أيدي الأقلية البرجوازية على حساب الأغلبية العاملة.²¹ هذا ليس مجرد وصف، بل هو تحليل سببي يفسر جوهر الاستغلال الاقتصادي.

ومع ذلك، واجهت هذه النظرية انتقادات حادة. يرى الاقتصاديون الرأسماليون والمدرسة النمساوية أن نظرية القيمة الفائضة غير واضحة، وأنها تهمل دور الندرة والمنفعة في تحديد قيمة السلع، وأن الربح هو نتيجة للمخاطرة والإدارة والاستثمار، وليس استغلالاً للعمال.²³

3.3. الصراع الطبقي ونهاية الرأسمالية

الصراع الطبقي هو القوة المحركة للتغيير في الفلسفة الماركسية.²⁵ يرى ماركس أن تاريخ أي مجتمع هو تاريخ صراع بين طبقات اجتماعية متناقضة.¹ في المجتمع الرأسمالي، يتجلى هذا الصراع بين طبقتين رئيسيتين:

• البرجوازية: الطبقة التي تملك وسائل الإنتاج وتسيطر عليها.¹
• البروليتاريا: الطبقة العاملة التي تبيع قوة عملها للحصول على أجر.¹

اعتقد ماركس أن التناقضات الداخلية في النظام الرأسمالي ستؤدي حتماً إلى انهياره.⁵ هذه التناقضات تشمل:

1. تركيز رأس المال: تتجه المنافسة إلى تركيز الثروة والقوة الاقتصادية في أيدي عدد قليل من الرأسماليين.⁵
2. تزايد البطالة: تخلق الرأسمالية “جيشاً احتياطياً” من العاطلين عن العمل، مما يضغط على الأجور ويجعل العمال أكثر استغلالاً.⁵
3. الأزمات الدورية: يؤدي تدني أجور العمال إلى انخفاض قدرتهم الشرائية، مما يتسبب في ركود وتراكم السلع في المخازن، فتغلق المصانع وتتفاقم الأزمات المالية.⁵

يرى ماركس أن هذه الأزمات ستدفع البروليتاريا إلى التوحد وتطوير وعيها الطبقي، مما سيقود في النهاية إلى ثورة تطيح بالنظام الرأسمالي وتؤسس مجتمعاً لا طبقياً.¹ ومع ذلك، فإن الواقع لم يتبع نبوءة ماركس تماماً.²³ فقد أدت الثورة الصناعية إلى ظهور طبقة وسطى كبيرة، كما ساهمت نقابات العمال في تحسين ظروف العمال وأجورهم في المجتمعات الغربية، مما أضعف نظرية “الإفقار الحتمي” التي تنبأ بها ماركس.²³

للإطلاع على ريفيو لكتاب كارل ماركس رأس المال

4. رؤية ماركس للمجتمع البديل: من الثورة إلى الشيوعية

4.1. الثورة ودكتاتورية البروليتاريا

يعتقد ماركس أن التغيير الجذري لا يمكن أن يحدث عبر الإصلاح التدريجي، بل يتطلب ثورة عنيفة للقضاء على الدولة البرجوازية، التي اعتبرها مجرد “لجنة لإدارة شؤون الطبقة البرجوازية”.³⁰ بعد نجاح الثورة، يقترح ماركس فترة انتقالية ضرورية أطلق عليها “دكتاتورية البروليتاريا”.¹⁵

يجب فهم هذا المفهوم في سياقه المحدد. فـ”الدكتاتورية” هنا لا تعني بالضرورة الحكم المطلق لفرد أو حزب واحد، بل تعني أن الطبقة العاملة (البروليتاريا) ستمارس السيطرة السياسية والاقتصادية على المجتمع بأسره، بهدف القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.¹⁵ يرى ماركس أن هذه المرحلة مؤقتة، وأن الهدف النهائي هو “اضمحلال” الدولة نفسها، حيث تصبح غير ضرورية في المجتمع الشيوعي اللاطبقي.³⁰ هذا التمييز ضروري لأي ملخص لفلسفة كارل ماركس، حيث يتم الخلط غالباً بين هذا المفهوم النظري والأنظمة الدكتاتورية التي نشأت باسمه في القرن العشرين.

4.2. الاشتراكية والشيوعية: التمييز بين مرحلتين

يميز الفكر الماركسي بين مرحلتين رئيسيتين في المجتمع ما بعد الرأسمالية ¹²:

• الاشتراكية (المرحلة الأولى): هي المرحلة التي تلي الثورة مباشرة. في هذا المجتمع، يتم توزيع وسائل الإنتاج بشكل جماعي، ولكنه لا يزال يحمل “ولادات” من المجتمع القديم. ويكون التوزيع حسب مبدأ: “من كل حسب طاقته، ولكل حسب عمله”، مما يعني أن الأفراد يتقاضون أجراً بناءً على كمية العمل الذي يقدمونه، مما يترك بعض الفروقات الاجتماعية.¹⁴
• الشيوعية (المرحلة النهائية): هي الهدف النهائي، وهو مجتمع لا طبقي ولا دولة ولا ملكية خاصة.¹⁵ في هذا المجتمع، يتم التوزيع حسب مبدأ: “من كل حسب طاقته، ولكل حسب حاجته”.¹⁶ يتم فيها تلبية احتياجات الجميع بشكل عادل، وتختفي الصراعات الطبقية تماماً.¹⁶

لم يضع ماركس خطة تفصيلية للهياكل التي ستقوم عليها الدولة الشيوعية، بل رأى أنها ستتطور بشكل طبيعي.³²

الخاصية	الاشتراكية	الشيوعية
الملكية	جماعية لوسائل الإنتاج (ملكية الدولة أو المجتمع) 14	جماعية لوسائل الإنتاج 14
الدولة	توجد كـ “دكتاتورية البروليتاريا” لإلغاء الطبقية 15	تضمحل وتختفي 12
التوزيع	حسب العمل 14	حسب الحاجة 16
الطبقات	توجد في شكل طبقة عاملة حاكمة وأخرى خاضعة 15	لا توجد طبقات 16

5. الانتقادات الموجهة للفكر الماركسي

لم تسلم أفكار ماركس من النقد على عدة مستويات، وهو ما يجب أن يشمله أي ملخص لفلسفة كارل ماركس.

5.1. النقد الفلسفي والمنهجي

يُنتقد الفكر الماركسي بأنه يعتمد على نظرة مادية أحادية قاصرة تهمل الأبعاد الروحية والأخلاقية والإنسانية في تفسيرها للتاريخ والمجتمع.³³ كما أن ماركس نفسه لم يصرّح بشكل مباشر بأن الرأسمالية “ظالمة” أو أن الشيوعية “عادلة”.³⁴ بل سعى إلى تقديم تحليل “علمي” بعيد عن الأحكام الأخلاقية. ومع ذلك، فإن لغته التي استخدم فيها مصطلحات مثل “استغلال” و”سرقة” تشير إلى وجود تعابير أخلاقية ضمنية.³⁴ هذا التناقض الجوهري يثير تساؤلاً حول إمكانية تقديم نقد لاذع دون أساس أخلاقي، وهو ما يُعد جزءاً لا يتجزأ من أي ملخص لفلسفة كارل ماركس.

5.2. النقد الاقتصادي

وجهت انتقادات قوية لنظرية ماركس في القيمة، حيث يرى الاقتصاديون الكلاسيكيون والحديون أن نظريته غير واضحة وتتجاهل دور الندرة والمنفعة في تحديد قيمة السلع، وأن القيمة ليست فقط ناتجة عن العمل.²³ أما أبرز الانتقادات الاقتصادية فكانت من المدرسة النمساوية، وخاصة من لودفيغ فون ميزس.³⁵ حيث رأى أن الاقتصاد المخطط مركزياً لا يمكن أن يعمل بفعالية لغياب آلية الأسعار في السوق، مما يجعل الحساب الاقتصادي مستحيلاً. هذا الغياب للأسعار يؤدي إلى عدم الكفاءة وسوء تخصيص الموارد، وهو ما يُعتبر سبباً رئيسياً لفشل الأنظمة الاشتراكية عملياً.

5.3. نقد التطبيق التاريخي

فشلت نبوءة ماركس في التحقق في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، حيث لم تحدث الثورات العمالية التي توقعها.²³ بل إن الثورات التي قامت باسمه حدثت في بلدان متخلفة مثل روسيا، وليس في بلدان صناعية متقدمة كما كان يأمل.³⁷ علاوة على ذلك، أدى ظهور الطبقة الوسطى القوية ونقابات العمال إلى تحسين ظروف العمال، مما دحض نظرية “إفقار البروليتاريا الحتمي”.²³ كما أن انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية كشف عن تناقضات داخلية خطيرة، مثل غياب الحريات والديمقراطية، مما وجه ضربة قاصمة للفكر الماركسي كنموذج عملي قابل للتطبيق.³³

6. الإرث الفكري والراهنية: لماذا يظل ماركس مهماً اليوم؟

على الرغم من فشل التطبيقات العملية، فإن أهمية ماركس لا تكمن فقط في كونه نبياً لثورة لم تتحقق، بل في قدرته على توفير أدوات تحليلية لفهم عالم معقد وغير متساوٍ.²⁶ لا يزال منهجه القائم على تحليل العلاقات الطبقية وتأثير الاقتصاد على المجتمع يُستخدم في العلوم الاجتماعية والسياسية لفهم قضايا مثل عدم المساواة ⁸، وتراكم رأس المال في أيدي قلة، وتأثير الشركات الكبرى.⁵

كما أن أفكاره حول الأزمات الدورية في النظام الرأسمالي تبدو ذات صلة اليوم، حيث لا يزال الاقتصاديون والسياسيون يعودون إلى كتاب “رأس المال” لفهم الأزمات المالية العالمية مثل أزمة 2008.²⁸ في جوهره، يمكن تلخيص إرث ماركس بأنه يظل ناقداً قوياً وأصيلاً للرأسمالية. إن أهمية ماركس اليوم تكمن في قدرته على توفير إطار نقدي يسمح بتحليل الظلم والاستغلال في المجتمعات المعاصرة، حتى لو لم تعد رؤيته الثورية للمستقبل هي الحل المقبول عالمياً.²⁶

Works cited

1. بين النشاط والأمل.. الفلسفة السياسية لكارل ماركس – الجزيرة نت, , https://www.aljazeera.net/blogs/2024/3/17/%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9
2. Influences on Karl Marx – Wikipedia, , https://en.wikipedia.org/wiki/Influences_on_Karl_Marx
3. What Do Hegel and Marx Have in Common? | TheCollector, , https://www.thecollector.com/what-do-hegel-and-marx-have-in-common/
4. ما هي المادية الجدلية | منتدى الكتاب العربي – Arab World Books, , https://www.arabworldbooks.com/ar/e-zine/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF%D9%84%D9%8A%D8%A9
5. يا عمال العالم اتحدوا! … النظرية الشيوعية والنقد الماركسي للرأسمالية, , https://www.abeqtisad.com/abeqtisad/marxist-capitalism-critique/
6. د. حسام الدين فياض – منهجية المادية الجدلية عند كارل ماركس – الأنطولوجيا, , https://alantologia.com/blogs/72751/
7. فلسفة ماركسية – ويكيبيديا, , https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9_%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3%D9%8A%D8%A9
8. ما هي المادية التاريخية؟ الفصل الأول: ما هو التاريخ؟ – ماركسي, , https://marxy.com/?p=3485
9. علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاريخية – راديو النجاح, , https://annaja7.net/%D8%B9%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3%D9%8A-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%AF/21756/
10. البنية التحتية والفوقية – المؤدّى, , https://almuadda.com/entry/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AA%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%88%D9%82%D9%8A%D8%A9/
11. العلاقة الجدلية بين البناء التحتي والفوقي للمجتمع (1) – صحيفة الاتحاد, , https://www.alittihad44.com/archive/3189
12. نظرية ماركس في التاريخ – ويكيبيديا, , https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE
13. الشيوعية ما قبل الماركسية – ويكيبيديا, , https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D9%85%D8%A7_%D9%82%D8%A8%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3%D9%8A%D8%A9
14. تعريف الشيوعية والاشتراكية – موضوع, , https://mawdoo3.com/%D8%AA%D8%B9%D8%B1%D9%8A%D9%81_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%8A%D9%88%D8%B9%D9%8A%D8%A9_%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D9%83%D9%8A%D8%A9
15. ملخص ماركس ⭐️ Escuela PCE, , https://escuelapce.com/ar/%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3/
16. الماركسية: تحليل المجتمع من منظور اقتصادي واجتماعي – المجال, , https://www.elmajale.com/2024/11/blog-post_28.html
17. الاغتراب عند كارل ماركس ” دراسة تحليلية نقدية “, , https://ia600407.us.archive.org/35/items/20230402_20230402_1651/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8%20%D8%B9%D9%86%D8%AF%20%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%84%20%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3%20%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9%20%D8%AA%D8%AD%D9%84%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9%20%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D8%A8%D9%84%20%D9%86%D8%B9%D9%85%D8%A9.pdf
18. نظرية ماركس في الاغتراب – ويكيبيديا, , https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%A8
19. Worker under Capitalism, , https://www.marxists.org/arabic/marxism/economics/manuscript_01.htm
20. الاغتراب والمجتمع – ماركسي, , https://marxy.com/?p=8190
21. فائض القيمة واستغلال العمالة في الرأسمالية: نظرية ماركس – Trading …, , https://tradingarabic.com/karl-marx-%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%84-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D9%81%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A3%D8%B3%D9%85%D8%A7%D9%84%D9%8A-%D9%87%D9%88-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%AC-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%82%D8%AF%D8%B1-%D9%85%D9%85%D9%83%D9%86-%D9%85%D9%86-%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9/
22. فائض القيمة – ويكيبيديا, , https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%81%D8%A7%D8%A6%D8%B6_%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9
23. انتقــاد الماركسيــة, , https://almerja.com/reading.php?idm=131473
24. الماركسية ضد التحررية – ماركسي, , https://marxy.com/?p=7232
25. نظرية الصراع الطبقي – أنا أصدق العلم, , https://www.ibelieveinsci.com/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A8%D9%82%D9%8A/
26. الماركسية وتأثيرها على الفلسفة والفكر المعاصر: دراسة حول التفاعلات …, , https://azadiposts.com/2023-10-06-12-57-11/194-2023-10-27-21-37-44.html
27. نظرية الصراع بعد ماركس | PDF – Scribd, , https://www.scribd.com/document/432249713/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3
28. عشرة أفكار ماركسية تعرّف القرن الحادي والعشرين – حزب الإرادة الشعبية, , https://kassioun.org/reports-and-opinions/item/26404-2018-06-03-08-59-18
29. ماذا يقول ماركس في «رأس المال»؟ – بوابة الاشتراكي, , https://revsoc.me/economy/45019/
30. الفصل الأول: المجتمع الطبقي والدولة – بوابة الاشتراكي, , https://revsoc.me/marxism/30839/31271/
31. Marx’s theory of the state – Wikipedia, , https://en.wikipedia.org/wiki/Marx%27s_theory_of_the_state
32. سرّ نجاح فلسفة ماركس الدموية – الجزيرة نت, , https://www.aljazeera.net/blogs/2023/9/28/%D8%B3%D8%B1%D9%91-%D9%86%D8%AC%D8%A7%D8%AD-%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D8%A9-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%85%D9%88%D9%8A%D8%A9
33. نقد الماركسية : دراسة نقدية للأبعاد الفلسفية والمنهجية والمذهبية …, , https://drsabrikhalil.wordpress.com/2017/12/07/%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D9%86%D9%82%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%81/
34. Karl Marx (Stanford Encyclopedia of Philosophy), , https://plato.stanford.edu/entries/marx/
35. The Austrian School’s Critique of Marxism | Mises Institute, , https://mises.org/mises-daily/austrian-schools-critique-marxism
36. لماذا سقطت النظرية وفشل التطبيق؟ .. مراجعة أخيرة للتجربة السوفييتية عبدالرحمن شاكر, , https://alarabi.nccal.gov.kw/Home/Article/5879
37. ما هي المادية التاريخية؟ الفصل الخامس: الاشتراكية والشيوعية – ماركسي, , https://marxy.com/?p=4771
38. تأثير كارل ماركس: بين الفلسفة والسياسة والاقتصاد – Trading Arabic – تداول عربي, , https://tradingarabic.com/karl-marx-%D9%83%D8%A7%D8%B1%D9%84-%D9%85%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%87%D9%85%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D9%83%D9%85%D9%86-%D9%81%D9%82%D8%B7-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%87%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A8%D9%84-%D9%81%D9%8A-%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1%D9%87/