
تُعدّ شخصية الخصم الكوني أو المدّعي الكاذب جزءًا لا يتجزأ من النسيج اللاهوتي للأديان الإبراهيمية الثلاثة، الإسلام والمسيحية واليهودية، وتُعرف هذه الشخصية في كل دين باسم فريد: “الدجال” في الإسلام، و”الأنطاكريست (Antichrist)” في المسيحية، و”أرميلوس (Armilus)” في اليهودية. على الرغم من اختلاف التسميات والتفاصيل اللاهوتية الخاصة بكل منها، فإن المفهوم الأساسي يظل ثابتًا: شخصية شريرة تظهر في نهاية الزمان، مدعيةً الألوهية أو دور المنقذ، وتتسبب في فتنة عالمية كبرى قبل هزيمتها النهائية على يد المنقذ الحقيقي. إن المقارنة بين هذه الشخصيات الثلاث تكشف عن جذور مشتركة واختلافات جوهرية في الرؤى الأخروية لهذه الأديان حول المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
أولًا: المسيح الدجال في المسيحية (Antichrist)
تُقدم المسيحية شخصية الخصم الأكبر في آخر الزمان، المعروفة باسم الأنطاكريست، والتي تعني حرفيًا “ضد المسيح” أو “بديل المسيح”.1 لم يرد مصطلح الأنطاكريست إلا أربع مرات في العهد الجديد، تحديدًا في رسالتي يوحنا الأولى والثانية، حيث لا يشير المصطلح بالضرورة إلى شخص واحد بل إلى فئة من الأشخاص الذين يعارضون المسيح 1 ويُنكرون الآب والابن.1 إن دراسة هذه الشخصية ضرورية لفهم المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
الوصف والدور النبوي للأنطاكريست
مع تطور اللاهوت المسيحي، ارتبط مفهوم الأنطاكريست بثلاث صور نبوية بارزة في الكتاب المقدس:
- رجل الإثم (Man of Sin): يصفه الرسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي بأنه “ابن الهلاك” الذي يعارض ويتعالى على كل ما يُدعى إلهًا أو يُعبد.2 سيعمد هذا الرجل إلى الجلوس في هيكل الله مُظهرًا نفسه أنه هو الله.2 تشير هذه النصوص بوضوح إلى ادعائه الألوهية وإلى أنه ليس سوى إنسان، على الرغم من طموحاته الشيطانية.2
- القرن الصغير (Little Horn): إشارة في رؤيا دانيال ترتبط بالأنطاكريست.1
- وحش البحر (The Beast of the Sea): في سفر الرؤيا (الإصحاح 13)، يُوصف وحش البحر بأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنين (الشيطان)، ويحظى بعبادة العالم ويُعطى قوة وسلطة عظيمة.2 يُمنح هذا الوحش سلطة للعمل لمدة اثنين وأربعين شهرًا، ويُسمح له بشن حرب على القديسين والتغلب عليهم، ويُعطى سلطة على “كل قبيلة ولسان وأمة”.2 هذا الجانب العالمي يُبرز تحدي
المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية على الصعيد الجغرافي.
سمات الأنطاكريست و”السمة 666″
يُعرّف الوحش في سفر الرؤيا بأنه شخص وإمبراطورية في آن واحد؛ هو إنسان لأن “عدده عدد إنسان” وهو الرقم 666، وهو أيضًا إمبراطورية ناشئة من “البحار” (الأمم الوثنية).2 يفرض هذا الوحش على أتباعه “سمة” توضع على اليد اليمنى أو الجبهة.2 هذه السمة، التي ترتبط بالرقم 666 ، ضرورية حتى يتمكن الناس من الشراء أو البيع.2 وقد ربط بعض الآباء الأوائل للكنيسة، مثل إيريناوس، الأنطاكريست باليهود من سبط دان، وهو ما يظهر في المقارنات اللاحقة حول المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية.3 أما نهاية الأنطاكريست فتكون على يد المسيح في مجيئه الثاني.1
ثانيًا: المسيح الدجال في الإسلام (الـمَسيح الدجال)
يُعتبر المَسيح الدجال، أو ببساطة الدجال (مشتقة من جذر يعني “الكذب” أو “الخداع” 4)، الشخصية المحورية المضادة للمنقذ في الفكر الإسلامي. على الرغم من عدم ذكره في القرآن الكريم، إلا أنه يحتل مكانة مركزية في الأحاديث النبوية، ويُعتبر “أعظم فتنة” يبتلي بها الله الأرض.4 إن دراسة هذه الفتنة تُظهر جانبًا مهمًا في مقارنة المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
الوصف الجسدي والقدرات الخارقة للدجال
يتميز الدجال بمجموعة من العلامات الجسدية التي تميزه عن المسيح الحقيقي (عيسى بن مريم):
- العين الواحدة: يوصف بأنه “أعور” (معيب أو أعمى في إحدى عينيه)، وعينه اليمنى أو اليسرى تكون معيبة، وتشبه “عنبة طافية”.5
- علامة الكفر: سيُكتب بين عينيه كلمة “ك.ف.ر” (كافر)، ويقرأها كل مؤمن.6
- الصفات الجسدية: يوصف بأنه شاب، أحمر البشرة، قصير، ذو شعر مجعد كثيف، وجبهة عريضة، وصدر عريض.5
سيحاول الدجال تقليد معجزات المسيح الحقيقي 4، حيث سيشفِي المرضى ويُحيي الموتى بمساعدة الشياطين.4 ويُروى أنه سيأتي وبصحبته نهر من الماء ونهر من نار.7
مدة الفتنة ونهاية الدجال
يستمر حكم الدجال لفترة يُشار إليها غالبًا بأربعين يومًا.8 لكن هذه الأيام تختلف في طولها: اليوم الأول يكون كسنة، واليوم الثاني كشهر، واليوم الثالث كأسبوع، وبقية الأيام كالأيام المعتادة.8 ونتيجة لهذا التفاوت في المدة، سيتم تقدير أوقات الصلاة في تلك الأيام الطويلة.8 إن هذا التحديد الزمني هو ميزة إضافية في وصف المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
يُذكر أن الدجال سيتبعه سبعون ألفًا من يهود أصبهان يرتدون الطيالسة (الأوشحة الفارسية).7 أما هلاكه فيتم على يد عيسى بن مريم (يسوع).9 ينزل عيسى في وقت الصلاة، وحين يراه الدجال يبدأ في الذوبان “كذوبان الملح في الماء” 12، ثم يقتله عيسى عند باب لُد (Ludd).12 وفي التقليد الشيعي، يُخصص دور قتل الدجال للمهدي المنتظر.12
ثالثًا: المسيح الدجال في اليهودية (أرميلوس – Armilus)
على الرغم من أن اليهودية التقليدية لا تتبنى مفهوم “ضد المسيح” بصورته المسيحية والإسلامية الواضحة 5، فإن الأدب الأخروي اليهودي في العصور الوسطى قدم شخصية مُعادِية للمسيا تُعرف باسم أرميلوس (Armilus)، والذي يُطلق عليه أحيانًا اسم “المسيا الكاذب” أو “الأنطاكريست اليهودي”.13 وهو يُعتبر نظيرًا لغوغ (Gog) في إشارات حزقيال، على الرغم من أن غوغ وماغوغ يُفهمان عمومًا على أنهما دولتان أو عدوان يهاجمان إسرائيل في بداية العصر المسيحاني.14 يظهر دور أرميلوس في نصوص مثل سفر زربابل (Sefer Zerubbabel) و مدراش فايوشع (Midrash Vayosha).14 هذه النصوص تمثل إضافة مهمة لتصوير المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية.
للإطلاع على ملخص العقيدة اليهودية
أصل ووصف أرميلوس
يُوصف أرميلوس في بعض المصادر بأنه نتاج غير طبيعي، إذ يقال إنه “نسل الشيطان وعذراء” أو “الشيطان وتمثال”.14 إن هذا الغموض في الأصل يشير إلى طبيعته الخبيثة والبعيدة عن القداسة.
أما من حيث المظهر، فتُصوره بعض الروايات مثل مدراش فايوشع بصفات جسدية قبيحة:
- أصلع الرأس.13
- أصم جزئيًا ومصاب بعاهات جزئية.13
- مصاب بالجذام جزئيًا.13
دور أرميلوس ونهايته
يتمثل دور أرميلوس في كونه الملك الذي سيظهر في نهاية الزمان “ضد المسيا”، ويسعى لقهر الأرض بأكملها، وتركيز سلطته في القدس.13 سيقود أرميلوس موجة اضطهاد ضد المؤمنين اليهود.13
وفقًا لسفر زربابل، ينجح أرميلوس في هزيمة وقتل مسيا بن يوسف (وهو المسيا الذي يسبق المسيا النهائي الذي ينتمي لسبط يهوذا).14 وفي النهاية، يُهزم أرميلوس على يد المسيا اليهودي النهائي، مما يرمز إلى النصر المطلق للمسيا في العصر المسيحاني.13 إن هذه النهاية العنيفة تُكمل مقارنة المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية. وتُشير الأبحاث إلى أن سفر زربابل، الذي يضم شخصية أرميلوس، ينبغي قراءته في سياق تزايد التوقعات الألفية في الإمبراطورية البيزنطية خلال القرن السادس.16
رابعًا: المقارنة والتحليل المعاصر لمفهوم المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية
تُظهر المقارنة بين الشخصيات الثلاث – الأنطاكريست والدجال وأرميلوس – تلاقحًا تاريخيًا وروحانيًا كبيرًا، حيث ينظر إليها كل من الإسلام والمسيحية واليهودية على أنها شخصية تاريخية أو أخروية تؤثر في مسار التاريخ وتعارض الإرادة الإلهية.3
الميزة المقارنة | المسيحية (الأنطاكريست) | الإسلام (الدجال) | اليهودية (أرميلوس) |
الأصل والظهور | وحش البحر/رجل الإثم. ينشأ من الأمم (البحر).2 | يظهر من المشرق (أصبهان).4 يتبعه 70 ألف يهودي.11 | يُعتبر خصمًا للمسيا. يوصف بأنه من نسل الشيطان/تمثال.14 |
الادعاءات الرئيسية | يدعي أنه الله، يجلس في هيكل الله.2 | يدعي النبوة ثم الألوهية.4 | ملك يقهر الأرض ويضطهد اليهود.13 |
السمات المميزة | علامة الوحش (666) على اليد أو الجبهة.2 | أعور (عين معيبة)، مكتوب بين عينيه “كافر”.6 | أصلع، أصم جزئيًا، مصاب بالجذام.13 |
الدمار والهزيمة | يُهزم على يد المسيح في مجيئه الثاني.1 | يُهزم على يد عيسى بن مريم عند باب لُد.12 | يهزم مسيا بن يوسف، ثم يُهزم على يد المسيا النهائي.14 |
التفسيرات المعاصرة والمسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية
في العصر الحديث، اكتسبت هذه الشخصيات دلالات أوسع تتجاوز التفسيرات الحرفية، خاصة في ضوء التطورات التكنولوجية والعولمة. على سبيل المثال، يربط بعض المفكرين المعاصرين شخصية الأنطاكريست بمخاطر التكنولوجيا الحديثة، مثل الأسلحة النووية والذكاء الاصطناعي.17 كما تُفسر العولمة على أنها عملية “جحيم” عالمي قاسية تتفق مع التحذيرات المتعلقة بفتنة الدجال.18 هذه التفسيرات تُعيد صياغة النقاش حول المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية ليصبح صراعًا رمزيًا ضد القوى المادية والتكنولوجية التي تُهدد الإنسانية.
إن دراسة المسيح الدجال بين الإسلام والمسيحية واليهودية تُظهر أن هذه الشخصية تمثل أكثر من مجرد تهديد أخروي؛ إنها انعكاس للمخاوف الكونية حول الخداع، والفتنة، وسوء استخدام السلطة. وعلى الرغم من اختلاف التفاصيل الجوهرية (مثل مدة الحكم، أو دور المسيا الذي سيهزمه)، إلا أن جوهر الفكرة هو واحد: ضرورة اليقظة الروحية والتمسك بالإيمان في مواجهة الشر المطلق الذي سيحاول ادعاء دور المنقذ.
للإطلاع على تاريخ إبليس في الأديان
المراجع:
- Antichrist – Wikipedia, , https://en.wikipedia.org/wiki/Antichrist
- Revelation 13 Commentary | Precept Austin, , https://www.preceptaustin.org/revelation-13-commentary
- Armilus: The Jewish Antichrist and The Origins and Dating of The Sefer | PDF | Messiah | Messianism – Scribd, , https://www.scribd.com/document/526882341/ARMILUS-THE-JEWISH-ANTICHRIST-AND-THE-ORIGINS-AND-DATING-OF-THE-SEFER
- Al-Masih ad-Dajjal – Wikipedia, , https://en.wikipedia.org/wiki/Al-Masih_ad-Dajjal
- The Abrahamic end times figure: Armilus Ben-Belial (Judaism), The Antichrist (Christian), Al-Masih Ad-Dajjal (Islam) : r/religion – Reddit, , https://www.reddit.com/r/religion/comments/18mztgf/the_abrahamic_end_times_figure_armilus_benbelial/
- Characteristics of Al Masih-i-Dajjal | PDF | Medina | Muhammad – Scribd, , https://www.scribd.com/document/517329464/Al-Masih-Ad-Dajjal
- HOTD 282: Muhammad says the Dajjal (Antichrist) has “Kafir” written between his eyes. Six year-old boys laugh at the corniness – Reddit, , https://www.reddit.com/r/exmuslim/comments/8824rk/hotd_282_muhammad_says_the_dajjal_antichrist_has/
- Sahih Muslim 2937a – The Book of Tribulations and Portents of the Last Hour – كتاب الفتن وأشراط الساعة – Sunnah.com – Sayings and Teachings of Prophet Muhammad (صلى الله عليه و سلم), , https://sunnah.com/muslim:2937a
- Al-Dajjāl | Antichrist, End Times & Eschatology – Britannica, , https://www.britannica.com/topic/al-Dajjal
- Hadiths about Dajjal: Exploring the Scholars’ Interpretations – Islamonweb English, , https://en.islamonweb.net/hadiths-about-dajjal-exploring-the-scholars-interpretations
- Hadith on Tribulations And Portents Of The Last Hour: The Dajjal Would Be Followed By Seventy Thousand Jews Of Isfahan Wearing Persian Shawls – IslamiCity, , https://www.islamicity.org/hadith/search/index.php?q=14446&sss=1
- dajjal-02.pdf – Hurqalya Publications, , https://hurqalya.ucmerced.edu/sites/g/files/ufvvjh1056/f/page/documents/dajjal-02.pdf
- Armilus – Wikipedia, , https://en.wikipedia.org/wiki/Armilus
- Armilus book: 9786134913706 – Better World Books, , https://www.betterworldbooks.com/product/detail/armilus-9786134913706
- Gog and Magog | Texts & Source Sheets from Torah, Talmud and Sefaria’s library of Jewish sources., , https://www.sefaria.org/topics/gog-and-magog
- Dating Sefer Zerubavel. Dehistoricizing and rehistoricizing a Jewish apocalypse of late antiquity – University of Haifa, , https://cris.haifa.ac.il/en/publications/dating-sefer-zerubavel-dehistoricizing-and-rehistoricizing-a-jewi
- Apocalypse Now? Peter Thiel on Ancient Prophecies and Modern Tech – YouTube, , https://www.youtube.com/watch?v=qqHueZNEzig
- Un Regard Islamique sur Gog et Magog dans le monde moderne – Over-blog-kiwi, , http://data.over-blog-kiwi.com/0/69/05/86/ob_391f18_gmg.pdf