
لطالما مثلت الماسونية حركة عصية على الفهم، حيث يحيط بها سياج سميك من الغموض الذي ساهم بشكل مباشر في خلق السرد الموازي المعروف باسم تاريخ الماسونية السري. إن الاستعصاء على الفهم هذا يعود إلى حقيقة محورية؛ أنه لا يوجد تعريف متفق عليه للماسونية حتى بين المنتسبين إليها أنفسهم، فكل عضو يتحدث عنها بطريقته الخاصة، متأثراً بالبلد الذي يعيش فيه أو الدين الذي ينتمي إليه.1 هذا التباين الداخلي في التعريف يمثل استراتيجية غامضة غير معلنة، ولكنه فعال للغاية، مما يضمن استدامة الرواية التي تتناول تاريخ الماسونية السري.
إن الفراغ الناجم عن عدم الإجماع الداخلي يُملأ حتماً بالتكهنات والاتهامات الخارجية، مما يحول الماسونية من مجرد جمعية حرفية عمرانية إلى منظمة ذات نفوذ خفي تحيّر الكثيرين.1 يبرز تساؤل مهم حول مدى جاذبية شعارات الماسونية نفسها، وما إذا كان هناك أدب ماسوني مؤثر يستحق البحث عنه في سياق تاريخ الماسونية السري.1 إن عدم وجود إجماع داخلي يسمح بتضخيم الشق الأسطوري، مما يبرر التركيز الإعلامي والأكاديمي على الجوانب الأكثر إثارة للجدل، مثل الادعاءات حول سيطرتها على العمران الأندلسي أو العثماني.1 هذا الغموض هو القوة الدافعة وراء نظريات المؤامرة التي تشكل الجزء الأكبر من الاهتمام بـ تاريخ الماسونية السري.
1.2. النطاق المنهجي: كيف نفك شفرة تاريخ الماسونية السري
لفك شفرة المنظمة، يجب على الباحث أن يفصل بوضوح بين التفسير الرمزي، الذي يتناول الأصول القديمة والمفاهيم الباطنية، والتفسير السياسي، الذي يركز على النشاط الحديث والسري للمحافل. ومع ذلك، من الضروري إدراك أن هذين المسارين ليسا منفصلين؛ بل إنهما يتشابكان لتشكيل الإطار العام لـ تاريخ الماسونية السري. إن الفحص النقدي هو وحده القادر على إعادة الأمور إلى نصابها الحقيقي وتحديد ما إذا كان هناك من “يخرّف وينسب كل عمران جيد إلى الماسونية” 1، أو ما إذا كان تأثيرها فعلاً قد تجاوز نطاق الجمعيات الأخوية. يجب أن يتضمن التحليل فحصاً لتطور الماسونية من مجموعات بنائين عاملين إلى منتدى فكري للنخب، وهو التحول الذي يفسر قدرتها على التأثير في عصور التنوير وتشكيل جزء مهم من تاريخ الماسونية السري.
II. من البنائين العاملين إلى البنائين الأحرار: الجذور المنسية من تاريخ الماسونية السري
2.1. الجذور الأسطورية والرمزية في تاريخ الماسونية السري
يتباين الباحثون حول نقطة البدء الدقيقة لظهور الحركة الماسونية، ولكن ثلاثة أقوال شهيرة تتصدر المشهد: القول الأول يربطها ببناء هيكل سليمان، والثاني يربطها بفترة الحروب الصليبية، بينما يشير القول الأرجح إلى أنها ظهرت في بداية القرن الأول الميلادي.2 إن الارتباط الرمزي الأقوى، والذي يشكل العمود الفقري لـ تاريخ الماسونية السري، هو الأسطورة التي تربطها ببناء الهيكل. فمعنى كلمة “الماسون” يعني البنائين، وقد اشتقت الماسونية (أو البناؤون الأحرار) من الفرق المنظمة على نحو شبه عسكري التي عملت على تجديد بناء الهيكل في القدس زمن نبي الله سليمان.2
هذا التمسك بأصل بناء الهيكل يمنح الحركة عمقاً زمنياً هائلاً، ويتجاوز حدود كونها مجرد جمعية اجتماعية أو نادٍ فكري حديث. فهو يوفر أساساً روحانياً وعالمياً للحركة يتجاوز الانقسامات الوطنية أو العقائدية المعلنة، مما يفسر جاذبيتها الكبيرة للنخب المتعطشة لمعرفة باطنية تتجاوز الأطر الدينية والكنسية التقليدية. إن هذه الهوية المستمدة من الأسطورة تخدم فكرة أن تاريخ الماسونية السري ليس حديثاً بل يمتد إلى الأصول الغامضة للحضارة.
للإطلاع على الصهيونية وأفكارها وتاريخها
2.2. الماسونية وعصر التنوير: تأسيس تاريخ الماسونية السري الحديث
شهد القرن الثامن عشر التحول الجوهري الذي نقل الماسونية من كونها جمعية حرفية تهدف إلى تنظيم مهنة البناء (البنائين العمليين) إلى منظمة فكرية تتبنى المبادئ الفلسفية والأخوية (البنائين الأحرار). هذا التحول سمح للحركة بأن تتحول إلى حاضنة قوية لأفكار التنوير والليبرالية، مما كان له تأثير مباشر على عصر التنوير والثورات الكبرى في الغرب.1 إن هذا الدور الجديد، المتمثل في تبني قيم التسامح والحرية الفكرية، جعل الحركة تكتسب نفوذاً واسعاً ولكنه في الوقت ذاته عرضها لعداء السلطات الكنسية والملكية التي رأت في نفوذها الخفي تهديداً مباشراً لاستقرارها. إن فهم هذا التحول الفلسفي هو مفتاح قراءة المرحلة السياسية من تاريخ الماسونية السري.
III. الصراع الإيديولوجي: تاريخ الماسونية السري بين الحظر الديني والرقابة السياسية
3.1. العداء الكاثوليكي: الخطيئة الجسيمة في تاريخ الماسونية السري
من أبرز جوانب تاريخ الماسونية السري هو الصراع المستمر مع المؤسسات الدينية الراسخة، وفي مقدمتها الكنيسة الكاثوليكية. حيث تحظر الكنيسة بشدة انضمام الكاثوليك للماسونية وتعتبر العضوية فيها “خطيئة جسيمة”، وتحرم العضو المنتسب من تلقي المناولة المقدسة.3 وقد تم تأكيد عدم توافق الماسونية مع العقيدة الكاثوليكية في وثائق رسمية حديثة، أبرزها في نوفمبر 2023.3 وعلى الرغم من أن الماسونية نفسها لا تمنع الكاثوليك من الانضمام، بل وتضم في صفوفها بالفعل بعض الكاثوليك، فإن هذا الحظر الكنسي يظل سارياً ويُعد إقراراً بوجود خلاف عقائدي عميق.3
إن استمرارية هذا الحظر التاريخي والحديث 3 يؤكد أن الكنيسة ترى في المبادئ الماسونية، وخاصة مفاهيم التسامح الديني المطلق والسرية المطلوبة في المحافل، تنافساً على الولاء الأوحد لله والكنيسة. هذا العداء الكنسي المزمن يمنح الأنظمة الحكومية في الدول ذات الأغلبية الدينية مبرراً أخلاقياً وسياسياً قوياً للقمع. وهكذا، يتحول الفصل الديني إلى سلاح أيديولوجي يُستخدم لتبرير تحويل تاريخ الماسونية السري إلى رمز للخيانة أو الانحراف العقائدي.
3.2. تاريخ الماسونية السري كأداة للنظام العالمي الجديد (NWO)
على الصعيد السياسي، تتركز نظريات المؤامرة حول فكرة أن الماسونية هي القوة الخفية التي تدير العالم. يُزعم أن المتنورين يتداخلون مع الماسونية أو يتحكمون بها، خاصة في الدرجات العليا، ويعمل الماسونيون المتنورون سراً على التحكم في جوانب رئيسية من المجتمع والحكومة للوصول إلى هدفهم الأسمى: تأسيس النظام العالمي الجديد.4 قائمة الاتهامات الموجهة للمنظمة لا تتوقف عند هذا الحد، بل تشمل ادعاءات بأن القضاء البريطاني مخترق من الماسونيين، الذين يمنحون زملائهم “فائدة الشك” في المحاكم، مما يقوض النظام القانوني.4
تُضاف إلى ذلك الادعاءات الأكثر حساسية في السياق الإقليمي، والتي تصف الماسونية بأنها مجرد واجهة يهودية للسيطرة على العالم.4 إن هذه النظريات، التي تحول تاريخ الماسونية السري إلى قصة تحكم كوني، هي ما يبرر العداء المطلق للأنظمة الشمولية. فبالنسبة للسلطة المركزية، تمثل أي سلطة موازية أو خفية تهديداً وجودياً، سواء كانت مجرد نادٍ اجتماعي أو قوة تآمرية حقيقية. إن تضخيم دور الماسونية بهذا الشكل يصبح انعكاساً لمخاوف المجتمع من عدم القدرة على فهم آليات اتخاذ القرار في النخب الحاكمة.
IV. الأثر الجيوسياسي الإقليمي: تاريخ الماسونية السري وتفكيك الإمبراطوريات
4.1. التورط في عزل السلطان عبد الحميد الثاني
في الشرق الأوسط، يرتبط تاريخ الماسونية السري بأحداث جسيمة، لعل أبرزها هو الادعاء بأن الماسونية لعبت دوراً رئيسياً في إنهاء الخلافة العثمانية. يستند هذا الادعاء إلى وثائق تاريخية نُشرت في أبحاث تركية تشير إلى أن المحافل الماسونية داخل الدولة العثمانية، وخاصة في سالونيك، دعمت بشكل فعال حركة تركيا الفتاة التي أدت في نهاية المطاف إلى عزل السلطان عبد الحميد الثاني عام 1909.5
إن ربط الماسونية بهذا الحدث السياسي الجلل يعزز صورتها كقوة هدم سياسي قادرة على العمل تحت ستار السرية لقلب أنظمة الحكم. كان يُنظر إلى الماسونية على أنها تمثل تهديداً مزدوجاً للسلطة العثمانية المركزية؛ فكرياً، لأنها كانت تروج لأفكار التنوير التي تتعارض مع الاستبداد، وجيوسياسياً، لارتباطها بقوى أوروبية منافسة. هذا الدور السياسي، سواء كان حقيقياً أو مبالغاً فيه، يثبت أن تاريخ الماسونية السري لم يكن مجرد شائعات، بل أصبح جزءاً لا يتجزأ من السرد التاريخي لتفكيك الإمبراطوريات.
V. الازدهار والتوطين: تاريخ الماسونية السري في مصر وبلاد الشام
5.1. مرحلة الاستيراد والتوطين (1874-1900)
بدأت الماسونية في مصر كحركة أجنبية الطابع واللغة، حيث كان معظم أعضائها الأوائل من الأجانب المقيمين.6 لكن سرعان ما تحولت إلى منظمة ذات طابع محلي أكبر مع تأسيس “الشرق الأعظم الوطني المصري” على الطريقة الاسكتلندية في عام 1876م، والذي أصبحت المحافل المصرية تابعة له.6 مثلت هذه الفترة العصر الذهبي للماسونية في مصر، وبلغ النفوذ ذروته عندما انتخب الخديوي توفيق باشا رئيساً للمحفل عام 1887م، مما أضفى شرعية سياسية عليا على تاريخ الماسونية السري في المنطقة.6
شهدت هذه المرحلة انضمام شخصيات بارزة وزعماء إصلاح اشتهروا في ذلك الوقت، مثل شاهين مكاريوس (الذي أصدر مجلة “اللطائف” لتمجيد أخبار الحركة)، ويعقوب صروف، وفارس نمر.6 إن انخراط النخب الفكرية والسياسية في الحركة يشير إلى أن الماسونية كانت تُرى كمنصة للتحديث والتنوير، خاصة في وقت كانت فيه الدولة العثمانية تتراجع. يوضح الجدول التالي مراحل التوطين والنفوذ في
تاريخ الماسونية السري بمصر:
الجدول 1: مراحل التوطين والنفوذ في تاريخ الماسونية السري بمصر
السنة/الفترة | الحدث الرئيسي | الانعكاس على تاريخ الماسونية السري | المصدر |
قبل 1876م | البدايات الأجنبية | الماسونية كمنظمة مستوردة ومحدودة التأثير المحلي. | 6 |
1876م | تأسيس الشرق الأعظم الوطني المصري | بداية التحول نحو هيكل وطني ذي نفوذ إقليمي. | 6 |
1887م | انتخاب الخديوي توفيق باشا | وصول الحركة إلى قمة السلطة السياسية (العصر الذهبي). | 6 |
5.2. التناقض الجدلي: الماسونية بين التنوير والاحتلال
تتجلى أكبر المفارقات في تاريخ الماسونية السري الإقليمي في التناقض بين جاذبيتها للإصلاحيين وتورطها المزعوم في خدمة أجندات أجنبية. فبالرغم من أنها كانت معقلاً لرموز التنوير 6، فإن بعض السرديات التاريخية تشير إلى أن محافل الإسكندرية كانت مدبرة أو مسببة للاحتلال البريطاني لمصر.7 هذا التناقض الشديد يطرح سؤالاً جوهرياً: كيف يمكن لمنظمة تدعو للحرية أن تسهل احتلال البلاد؟
إن هذا الجدل غذى الشكوك في ولاء الحركة لاحقاً، خاصة وأن البلاد كانت محتلة ومنهوبة بالفعل خلال فترة الاحتلال البريطاني، مما جعل أي نشاط سري مشبوهاً وموضع اتهام.7 أظهر هذا التضارب ضعف الحركة عندما كان نفوذها مرهوناً بتقبل القوى الاستعمارية لها، مما جعل الشكوك حول ولائها القومي أساساً قوياً لإنهاء تاريخ الماسونية السري العلني فيما بعد.
VI. الفصل القسري: نهاية تاريخ الماسونية السري العلني في العهد الناصري
6.1. تصاعد التضييق بعد حرب 1948 وثورة 1952
شهد تاريخ الماسونية السري في مصر تحولاً جذرياً بعد الأحداث الجيوسياسية الكبرى في منتصف القرن العشرين. بدأ التضييق يتصاعد بعد حرب 1948، بسبب الارتباط الكبير المتصور بين الماسونية واليهودية. أدى هذا التصور إلى هروب أو إبعاد الكثير من اليهود وإغلاق معظم المحافل بشكل تدريجي.7 وبعد ثورة يوليو 1952، زادت الحكومات المصرية من ملاحقة الجامعات والجمعيات التي تضم وجوداً مختلطاً للأجانب، خوفاً من أن تلعب هذه الكيانات دوراً ضد الحكومة أو الدولة.8
اشترطت الحكومة المصرية رقابة شديدة على المحافل الماسونية إذا أرادت الاستمرار في العمل في مصر. كانت الدولة ترى أن استمرار عمل كيانات ذات ولاءات غير واضحة يمثل تهديداً للسيادة الوطنية الوليدة. هذا التصاعد في التشديد يمثل بداية النهاية للمرحلة العلنية من تاريخ الماسونية السري.
6.2. عتبة الشفافية: الرفض كسبب حاسم للإغلاق (1964)
وصل الصراع بين الدولة والمحافل إلى ذروته عندما تقدمت المحافل الماسونية بطلب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية لتكييف أوضاعها طبقاً للقانون المصري.8 لكن القانون كان يشترط، وما يزال، الاطلاع على كافة سجلات المحافل، وخصوصاً موازناتها المالية. هذا الشرط كان يهدف إلى فرض السيادة الكاملة للدولة على أي نشاط يجري على أراضيها. واجه المحفل المصري هذا المطلب الإداري برفض شديد، وفضّل إغلاق أبوابه نهائياً على فتح سجلاته وميزانياته أمام الحكومة.8
لم يكن السبب الحقيقي والمباشر للحظر عقائدياً بالضرورة، بل كان إدارياً وسيادياً يتعلق بالشفافية والولاء المالي. في سياق حكم شمولي، اعتُبر رفض تقديم الموازنات والسجلات تحدياً لسيادة الدولة، مما جعل الحركة كياناً معادياً بغض النظر عن أهدافها الخيرية المعلنة. ونتيجة لهذا الرفض، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر في 18 أبريل 1964 قراراً رسمياً (مرسوم) بغلق المحافل الماسونية في مصر إلى الأبد.7 هذا الحدث وضع حداً قاطعاً لـ تاريخ الماسونية السري ككيان معترف به قانونياً.
6.3. استمرارية النشاط: تاريخ الماسونية السري تحت يافطات أخرى
بالرغم من المرسوم الرسمي الذي حظر نشاط الحركة الماسونية، فإن الأبحاث تشير إلى أن النشاط لم يتوقف تماماً. فبالرغم من الإغلاق، ظلت الحركة تعمل من خلال عدة جهات ويافطات أخرى.8 هذا يشير إلى أن الحظر نجح في إنهاء الوجود العلني للمنظمة، لكنه لم ينه نفوذها أو شبكاتها بشكل كامل.
انتقل تاريخ الماسونية السري في هذه المرحلة من السرية الاختيارية (بموجب لوائح المحفل) إلى السرية الإجبارية (بموجب القانون). هذا الاستمرار الخفي هو ما يغذي الاعتقاد الدائم بوجود نفوذ ماسوني متخفٍ في الحياة العامة حتى يومنا هذا، ويشكل تحدياً للباحثين لتقييم الحجم الحقيقي للنفوذ المتبقي.
للإطلاع على الصهيونية وأفكارها وتاريخها
VII. نظريات المؤامرة والأبعاد الخفية: قراءة نقدية لتاريخ الماسونية السري المتداول
7.1. الماسونية والتحكم بالنظام العالمي الجديد
لطالما كان تاريخ الماسونية السري متداخلاً مع نظريات المؤامرة حول التحكم العالمي. إن إحدى أبرز هذه النظريات هي الخلط بين الماسونية وحركة المتنورين الألمانية، حيث يُزعم أن المتنورين إما يتحكمون بالماسونية أو يتداخلون معها، خاصة في الدرجات العليا.4 وتدعي هذه النظريات أن هذا الكيان المختلط يعمل على السيطرة على الحكومة والمجتمع سراً من أجل إنشاء النظام العالمي الجديد.4
التحليل النقدي يوضح أن هذه النظريات تضخم الدور التاريخي للماسونية، وتخلط بين مجموعات تاريخية متباينة، وتستخدم السرية كغطاء لاتهامات عريضة. إن التركيز على التحكم الخفي يعكس القلق المجتمعي من القوى غير المرئية التي تقف وراء القرارات الكبرى. وفي هذا السياق، يصبح تاريخ الماسونية السري بمثابة مرآة تُسقط عليها المجتمعات مخاوفها من النخب التي لا تخضع للمساءلة.
7.2. جدلية الارتباط اليهودي والسيطرة على العالم
في سياق نظريات المؤامرة الإقليمية، يُعد الارتباط اليهودي بالماسونية نقطة محورية. حيث تُتهم الماسونية بأنها ما هي إلا واجهة يهودية للسيطرة على العالم، أو على الأقل أن اليهود يتحكمون بها للوصول إلى هذا الهدف.4 هذا الاتهام يتعارض مع الحظر المستمر من قبل الكنيسة الكاثوليكية، والذي يؤكد على أن الماسونية لا تخضع بالضرورة لأي دين بعينه.3
ومع ذلك، فإن هذا السرد يتضخم في المنطقة العربية بسبب الأحداث التاريخية مثل حرب 1948، التي ارتبطت بفرار وإبعاد العديد من الأعضاء اليهود وتصاعد العداء للحركة.7 إن تضخيم هذا الارتباط يخدم غرضين في العقل الجمعي: تبرير الحظر القومي للدولة، وتغذية نظرية المؤامرة العالمية التي ترى في الماسونية أداة خارجية معادية. ولهذا، فإن جدلية الارتباط اليهودي أصبحت عنصراً مؤسساً في النسخة المتداولة من تاريخ الماسونية السري.
7.3. التشكيك في التفسير الأكاديمي لـ تاريخ الماسونية السري
يتطلب الفهم الدقيق لـ تاريخ الماسونية السري ضرورة الفصل بين الدور الحرفي الفعلي للحركة والادعاءات الأسطورية. هناك حاجة ملحة لإجراء أبحاث تعيد الأمور إلى نصابها الحقيقي وتفحص مدى صحة الادعاءات التي تنسب كل إنجاز عمراني جيد، سواء كان أندلسياً أو عثمانياً أو أموياً أو بغدادياً، إلى الماسونية.1 هذا النوع من التضخيم غير الموثق يعيق تقييم الدور الفعلي للماسونية كحركة أخوية كانت ذات يوم ذات نفوذ سياسي وثقافي. إن البحث النقدي هو الطريق الوحيد لتبديد الغموض.
للإطلاع على السحر الأسود وأعراضه وعلاجه
VIII. استخلاص النتائج والتقييم النهائي
8.1. الأثر الحقيقي مقابل الأثر الأسطوري في تاريخ الماسونية السري
في المنطقة العربية، شكلت الماسونية قوة جذب للنخب الإصلاحية والمثقفة، وكانت بمثابة منتدى فكري للنقاش والتنوير.6 إلا أن نفوذها تحول سريعاً إلى عبء سياسي ثقيل، وذلك بسبب ارتباطها المزدوج بالقوى الأجنبية، سواء كانت القوى الاستعمارية التي سهلت وجودها أو الأنشطة الصهيونية المزعومة التي قادت إلى حظرها.7 إن جوهر تاريخ الماسونية السري يكمن في سرية الحركة، التي كانت في البداية سلاحاً جذاباً استقطب الباحثين عن المعرفة الباطنية، ولكنه تحول في النهاية إلى العامل الحاسم الذي استخدمته الأنظمة الشمولية للقضاء عليها رسمياً بحجة الخطر على السيادة الوطنية.8
8.2. تاريخ الماسونية السري: استمرارية الغموض وضرورة البحث النقدي
يظل التساؤل الجوهري حول ما إذا كانت الماسونية حقيقة أم خرافة قائماً.5 الإجابة الدقيقة تكمن في أن تاريخ الماسونية السري هو تفاعل معقد بين تاريخ موثق ومثبت (نشاط المحافل العلني، انضمام النخب، الأعمال الخيرية المحدودة) وبين أساطير المؤامرة التي لا تزال تسيطر على الوعي الجمعي.
إن الأبحاث المستقبلية يجب أن تركز على تتبع واستقصاء كيف استمر النشاط الماسوني تحت “يافطات أخرى” بعد مرسوم الحظر عام 1964 8، لتقييم النفوذ الحقيقي المتبقي لها. إن استمرار عمل الحركة في الخفاء يشير إلى أن
تاريخ الماسونية السري لم ينتهِ بقرار سياسي، بل انتقل إلى مرحلة أكثر عمقاً من السرية الإجبارية، مما يضمن بقاء الغموض حول هذه المنظمة للأجيال القادمة.
المراجع:
- “الماسونية في عماء التاريخ”..والحاضر – مؤسسة الدراسات العلمية | Institute of Scientific Studies,, https://iss-foundation.com/home/eventsdet/MjkzMw==
- تعرف على الماسونية وما هي علاماتها واهدافها – الدكتور طارق السويدان,, https://suwaidan.com/freemasonry-secret-organization/
- Papal ban of Freemasonry – Wikipedia,, https://en.wikipedia.org/wiki/Papal_ban_of_Freemasonry
- نظريات المؤامرة الماسونية – ويكيبيديا,, https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B3%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9
- الماسـونية في العالم العربي… الحقيقة الكاملة وراء التنظيم السري! – YouTube,, https://www.youtube.com/watch?v=bUxQjQlDgeE
- الماسونية في الوطن العربي .. – وكالة انباء براثا,, http://mail.burathanews.com/arabic/studies/200770
- تاريخ المحافل الماسونيه في مصر – YouTube,, https://www.youtube.com/watch?v=A8vLMQvdmvs
- الماسونية من الغرب إلى الشرق (2) – YouTube,, https://www.youtube.com/watch?v=xl_NFUrhjec
- ﻣﺬﻛﺮة ﻣﺎﺳﺘﺮ,, http://archives.univ-biskra.dz/bitstream/123456789/13284/1/%D9%82%D9%85%D8%B1%20%D9%85%D8%AD%D8%A8%D9%88%D8%A8.pdf